أما شروط جواز دفع الصائل والأخذ بهذا المبدأ فهي أربعة شروط.
أولاً: أن يكون هناك اعتداء في رأي أكثر العلماء، فلابد من أن يكون هناك اعتداء وصيال، وعند الحنفية: أن يكون الاعتداء جريمة معاقباً عليها.
فالأحناف يقولون: يكون هذا الاعتداء عبارة عن جريمة يعاقب عليها.
وجمهور العلماء يقولون: يشترط أن يكون اعتداءً يدخل تحت مسمى الاعتداء، وعلى هذا فممارسة حق التأديب من الأب أو الزوج أو المعلم وفعل الجلاد لا يوصف بكونه اعتداءً، وهذه الأشياء لا تدخل في مصطلح الاعتداء، فالأب له حق التأديب، والذي يؤدب ابنه عن طريق الضرب هل معناه أن لهذا الولد أن يقول: أبي يصول علي؟ لا.
وكذلك المدرس إذا كان يؤدب تلميذه، ففعله لا يسمى اعتداءً، فهو يمارس حق التأديب، وكذلك المرأة الناشز جواز ضربها معروف بشروطه، فهذا -أيضاً- لا يعني صيالاً ولا عدواناً، وكذلك فعل الجلاد الذي هو موظف في الدولة الإسلامية يقوم بإقامة الحدود، فالحاكم أو الخليفة يأتيه بالشخص الذي يستحق الجلد حداً أو تعزيراً فيقيم عليه أمر الخليفة أو القاضي، فمثل هذا لا يطلق عليه أنه اعتداء، وكذلك فعل الصبي والمجنون وصيال الحيوان لا يوصف بكونه جريمة عند الحنفية؛ لأن الاعتداء لابد من أن يكون جريمة معاقباً عليها، قالوا: والصبي والمجنون والحيوان إذا صالوا على الإنسان فهذه ليست جريمة يعاقب عليها ولا يوصف الفعل فيها بكونه جريمة.
الشرط الثاني: أن يكون الاعتداء في الحال واقعاً بالفعل لا مؤجلاً ومهدداً به فقط.
أي: أن يكون الاعتداء في الحال، ويريد الصائل أن يعتدي بالفعل ليقتلك أو ليسرق مالك أو ينتهك عرضك، أو غير ذلك من الفعل الواقع في الحال، وليس مجرد تهديد غير مهم، كمن يقول لك سآخذ مالك، سأقتلك.
فهذا مجرد تهديد لا يدخل في هذا الباب، فلابد من أن يكون الاعتداء واقعاً بالفعل لا مؤجلاً ولا مهدداً به فقط.
الشرط الثالث: أن لا يمكن دفع الاعتداء بطريق آخر، فإذا وجدت وسيلة أخرى ممكنة لدفع الصائل وجب استعمالها، فإذا أمكن دفعه -مثلاً- بالصراخ والاستغاثة فليس للمصول عليه أن يضربه أو يقتله، فإن فعل كان فعله جريمة، وإذا أمكن الاحتماء برجال السلطة أو استطاع المصول عليه أن يمنع نفسه أو يمتنع بغيره دون استعمال العنف فليس له أن يستعمله.
الشرط الرابع: أن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لرده، فإن زاد على ذلك فهو اعتداء لا دفاع، فليس للمصول عليه أن يدفع الصائل بالكثير إذا كان يندفع بالقليل، وليس له أن يضربه إذا كان يندفع بالتهديد، وليس له أن يضربه بآلة قتل كالحديد إذا كان يندفع بضربه بالعصا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.