إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد.
كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أيما عبد من أمتي أصيب بمصيبة من بعدي فليتعز بمصيبته التي يصاب بها من بعدي) فلما كان فقد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم قاصمة حلت بأهل الإسلام بحيث لا ترقى إلى مستواها قاصمة أخرى، فندبنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم -إن كنا له حقاً صلى الله عليه وسلم محبين الحب اللائق به- أن نتذكر هذه المصيبة، فكل مصيبة بعده تكون أهون وأخف، وقد نظم الشاعر معنى هذا الحديث بقوله: اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها فاذكر مصابك بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ولا شك أن التاريخ مليء بتراجم عظماء الرجال، وسوف نتوقف كثيراً هذا اليوم؛ لينضم شيخ الإسلام وإمام المسلمين العلامة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى إلى هذه القائمة المباركة التي ضمت أعلام الإسلام من السلف الصالح رحمه الله تعالى، وليذكر إلى جنب الأئمة الأربعة، وإلى جنب الإمام البخاري ومسلم وابن تيمية وابن القيم وسائر أئمة الإسلام، فاليوم حكم القضاء الإلهي -ونحن بحكم الله سبحانه وتعالى راضون- باليتم على السلفيين، فقد قضى إمامهم وشيخهم الأكبر في هذا العصر رحمه الله تعالى.
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار).
وقال أيوب السختياني رحمه الله تعالى: إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة، فكأني أفقد بعض أعضائي.
وكان أيوب السختياني رحمه الله تعالى يبلغه موت الفتى من أصحاب الحديث، فيرى ذلك فيه، فيبلغه موت الرجل يذكر بعبادته، فما يرى ذلك فيه.
وقال أيضاً رحمه الله تعالى: إن الذين يتمنون موت أهل السنة يريدون أن يطفئوا نور الله، وقد قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8] فلا شك أن موت أمثال هؤلاء الأئمة من أعظم المصائب التي تحل بالمسلمين، حتى كان بعض الأئمة يتمنى أن يؤخذ من عمره ليضيف في عمر هؤلاء الأعلام.
يقول يحيى بن جعفر: لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل البخاري من عمري لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم.
ويقول الشاعر: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر يموت بموته بشر كثير ويقول آخر: فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدم فالمصيبة في أمثال هؤلاء الناس تعم جميع المسلمين، ولو فقه المسلمون لأدركوا قيمة الخسارة التي حلت بهم، والمصيبة التي نزلت بهم، ولرأيناهم على الأقل صنعوا كما صنعوا حينما ماتت الأميرة ويلز، فقالوا: هي التي كانت وكانت، فعم الحزن والبلاء، ودخلت الشعائر الكنيسية كل بيت، فلا شك أن هذه من أمارات غفلة المسلمين وضعف إحساسهم بمطالبهم.
عمت طلائعه فعم هلاكه فالناس فيه كلهم مأجور والناس مأتمهم عليه واحد في كل دار رنة وزفير يثني عليك لسان من لم توله خيراً لأنك بالثناء جدير ردت صنائعه عليه حياته فكأنه من نثرها منشور