جاء في (معجم البلدان) أنه لما غلب عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب على ناحية سجستان في أيام عثمان رضي الله عنه سار إلى الدوار، فحاصرهم في جبل الزون، وكان على الزون صنم من ذهب، فقطع يديه، وقطعه المسلمون وكسروه.
والقائد الفاتح محمد بن القاسم رحمه الله تعالى لما فتح بلاد السند حصل أنه في أثناء فتح إحدى مدن تلك البلاد علم أن في المدينة معبداً يقدسه الهندوس، وأن أهل المدينة يعتقدون أن مدينتهم ستفتح على يد جنود يسقطون العلم المثبت فوق المعبد، فقرر ابن القاسم الاستفادة من هذا الاعتقاد، فوجه المنجنيق الضخم إلى ذلك المعبد، وأمر قائد المنجنيق جعوبة السلمي بضرب ذلك العلم، ووعده بعشرة آلاف درهم جائزة له إذا أصاب الهدف، ونجح القائد، وتم ضرب العلم ودك المعبد، فهاج الكفار وخرجوا، فناهضهم المسلمون حتى هزموهم وردوهم.
فهذا -أيضاً- بلغة العولمة عدوان على التراث الإنساني.
والقائد محمود الغزنوي الذي عاش في نهاية القرن الرابع، وقال عنه ابن كثير رحمه الله: الملك الكبير المجاهد الغازي.
وكان يحب العلماء والمحدثين، ويحب أهل الخير والدين- حينما غزا الهند كسر صنمهم الأكبر سنة أربعمائة وست عشرة من الهجرة، رغم أن عابدي هذا الصنم دفعوا له وبذلوا له وزنه ذهباً من أجل أن لا يهدم هذا الوثن، ومع ذلك هدمه رحمه الله تعالى.
وذكر ابن الجوزي رحمه الله في تلبيس إبليس: أن أهل بلخ كان لهم صنم بناه بنو شهر، فلما ظهر الإسلام خربه أهل بلخ.
وكذلك ما فعله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من تحطيم الأصنام والأوثان في عصره، وهو أمر معروف مشهور.
ويروي ابن كثير قصة فتح سمرقند بقيادة قتيبة بن مسلم فيقول: واقترب من المدينة العظمى التي بالصغد -وهي سمرقند- فنصب عليها المجانيق فرماها بها، وهو مع ذلك يقاتلهم لا يقلع عنهم، وناصحه من معه عليها من بخارى وخوارزم فقاتلوا أهل الصغد قتالاً شديداً، فأرسل إليه غورك ملك الصغد: إنما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي -يعني المسلمين الذين انضموا إليه- فاخرج إلي في العرب.
فغضب عند ذلك قتيبة، وميز العرب من العجم، وأمر العجم باعتزالهم، وقدم الشجعان من العرب، وأعطاهم جيد السلاح، وانتزعه من أيدي الجبناء، وزحف بالأبطال على المدينة، ورماها بالمجانيق، فثلم فيها ثلمة -أي: فتحة- فسدها الترك بغرار الدخن، وقام رجل منهم فوقها.
فجعل يشتم قتيبة، فرماه رجل من المسلمين فقلع عينه حتى خرجت من قفاه، فلم يلبث أن مات قبحه الله، فأعطى قتيبة للذي رماه عشرة آلاف، ثم دخل الليل، فلما أصبحوا رماهم بالمجانيق فثلم -أيضاً- ثلمة، وصعد المسلمون فوقها، وتراموا هم وأهل البلد بالنشاب، فقالت الترك لـ قتيبة: ارجع عنا يومك هذا، ونحن نصالحك غداً.
فرجع عنهم، فصالحوه من الغد على ألفي ألف ومائة ألف يحملونها إليه كل عام، وعلى أن يعطوه في هذه السنة ثلاثين ألف رأس من الرقيق ليس فيهم صغير ولا شيخ ولا عيب -وفي رواية: مائة ألف من الرقيق، وعلى أن يأخذ حلية الأصنام وما في بيوت النيران، وعلى أن يخلوا المدينة من المقاتلة حتى يبني فيها قتيبة مسجداً ويوضع له فيه منبر يخطب عليه ويتغدى ويخرج، فأجابوه إلى ذلك.
فلما دخلها قتيبة دخلها ومعه أربعة آلاف من الأبطال، وذلك بعد أن بنى المسجد، ووضع فيه المنبر، فصلى في المسجد وخطب وتغدى، وأُتي بالأصنام التي لهم فسلبت بين يديه، وألقيت بعضها فوق بعض حتى صارت كالقصر العظيم، ثم أمر بتحريقها، فتصارخوا وتباكوا، وقال المجوس: إن فيها أصناماً قديمة من أحرقها هلك.
أي أن هذه الآلهة قادرة على ضر من يؤذيها، فلو حرقتها ستموت وستمسك آلهتنا بسوء.
قال: فتصارخوا وتباكوا، وقال المجوس: إن فيها أصناماً قديمة من أحرقها هلك.
وجاء الملك غورك فنهى عن ذلك، وقال لـ قتيبة: إني لك ناصح -يعني: إني خائف عليك-.
فقام قتيبة، وأخذ في يده شعلة نار وقال: أنا أحرقها بيدي، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون.
ثم قام إليها وهو يكبر الله عز وجل وألقى فيها النار فاحترقت، فوجد من بقايا ما كان بها من الذهب خمسين ألف مثقال من ذهب.
فالشاهد أن قتيبة بن مسلم القائد الفاتح أحرق أصنامهم، فأين هذا من الذين يقولون: هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك؟! ونحن نرى كيف كانت عزة المسلم في ذلك الزمان، وننظر اليوم إلى التمسح والتزلف على أعتاب الغرب والشرق! قال ابن خلدون رحمه الله تعالى في مقدمته: ولما فتحت أرض فارس وجدوا فيها كتباً كثيرة، فكتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها ونقلها للمسلمين، فكتب إليه عمر أن: اطرحوها في الماء؛ فإن يكن ما فيها هدىً فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفاناه الله.
فطرحوها في الماء أو في النار، وذهبت علوم الفرس فيه دون أن تصل إلينا.
فإذا كان هذا في شأن الكتب فكيف بالأصنام والمعبودات؟!