ويقول الغزالي أيضاً: عند أول سلوك طريق التصوف تتبع المشاهدات والمكاشفات، حتى إنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجة يضيق عنها نطاق النطق.
يعني أنه لا يجوز لنا أن نحكيها، إنما هي أسرار وألغاز! مع أنه لا يوجد في الإسلام أسرار ولا ألغاز، يقول الله تعالى لنبيه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67]، وقال عليه الصلاة والسلام للصحابة أجمعين في أعظم اجتماع لهم وهو حجة الوداع: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد ألا إنكم مسئولون عني فبماذا تجيبون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت)، فهل بعد ذلك يشك شاك أن الرسول عليه السلام خص بعض الناس بعلوم وخبأها عن الآخرين؟ هذه أيضاً من مهازل هذا الفكر الصوفي الخبيث.
يقول: ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجة يضيق عنها نطاق النطق، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه.
وعلى الجملة ينتهي الأمر إلى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول، وطائفة الاتحاد، وطائفة الوصول، وكل ذلك خطأ، بل الذي لابسته تلك الحالة لا يزيد على أن يقول: وكان ما كان مما لست أذكره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر يحيلك على مذهلات، (وكان ما كان مما لست أذكره) أي حصلت أشياء لا أستطيع أن أحكيها، فهي أسرار، كما لو سرحت في مقامات الفناء ونحو ذلك مما يذكرونه، ومثل هذه الكلمات التي لا ينطقون بها، فإذا نطقوا بها كانت قرينة الكفر، والتي يذكر الغزالي بأنه لا أحد يحاول أن يفسر هذه الأشياء أو يعبر عنها، مثل قول بعضهم: سبحاني ما أعظم شأني! وقول الحلاج: ما في الجبة إلا الله! وقول الآخر: أنا الحق وما في الدارين غيري! ونحو ذلك من تعبيراتهم الكفرية.