المؤلف لا يبيح في هذا الكتاب للمرأة كشف الوجه فقط، بل أن تظهر الزينة الملحقة بالوجه والكفين، وتلبس ما شاءت من الزينة في كفيها، وتضع ما شاءت من الأصباغ على وجهها، ويبيح ذلك بسوء فهمه للأدلة، أهذا هو مزيد من الالتزام الذي يدفع إليه هذا البحث؟! وقد قيل: (من ثمارهم تعرفونهم) ونقول: دعوى الاجتهاد والتجديد مع الاستغناء عن أهل العلم ينتج ثمرات مثل هذا البحث، فما هي ثمراته؟!
صلى الله عليه وسلم يقول: ومن ثمرات ذلك أننا صرنا ننظر إلى أمر المرأة المتبرجة في مقارنة مع المرأة المنقّبة، ونحن نشفق على الثانية -أي: المنقبة- أكثر من إشفاقنا على الأولى -أي: المتبرجة-؛ لأن الأولى -المتبرجة- عاصية تعلم أنها عاصية، بينما الثانية عاصية تعلم أنها فاضلة، كما أن الأولى ليست عرضة للكبر والعجب المانعين من دخول الجنة، بينما الثانية أكثر عرضة لذلك! وأقول: من التي هي أقرب للكبر: التي تتزين بالملابس الباهية والذهب والحلي وتضع المكياج على وجهها وغير ذلك من أدوات الزينة، أم التي تستر نفسها؟! فهو يعتقد أن المنقبة عرضة للكبر أكثر من المتبرجة! ثم يقول: فأيهما أحق بالإشفاق؟! وأيهما أقرب للتوبة؟! وأيهما أولى بالاستغفار لها؟! إن المنقبة تحتاج إلى أن نستغفر لها مرتين، بينما المتبرجة مرة واحدة؛ لأنها أقل ابتلاء وأقرب إلى سواء السبيل! وإن كانتا كلتاهما منحرفتين عن الهدي النبوي، دون أن يكون المنحرف يميناً أفضل من المنحرف إلى ناحية الشمال، الكل في العدول عن الحق سواء.
يقول: وهكذا تمضي المنقبة في الطريق قد رفعت شعار مخالفة الهدي النبوي الأمثل، ومعاداة سنة الخلفاء الراشدين المهديين، ومخالفة فعل الصحابيات الفاضلات جميعاً! يقول: وتشبهت ببعض طوائف أهل الكتاب، وألقت بنفسها في فتنة الكبر والعجب الذي لا يدخل أحد الجنة وفي قلبه مثقال ذرة منه، وصدت من رآها عن سبيل الله! يقول: وصورت للناس الإسلام على أنه ضيق وعنت، وأنه يأخذ أتباعه بهذه الشدة ولا يرحم، فعسّرت ولم تيسّر، ونفّرت ولم تبشر، وعرقلت مصلحتها في السعي في هذه الحياة السريعة الحركة! وهذه النزعة الغزالية إنما هي (شنشنة نعرفها من أخزم) وإلا فمن التي تتشبه بأهل الكتاب: المتبرجة أم المنقبة؟! وهذا الكلام يدل على نفس ممتلئة غيظاً، فهو ينفث هذه السموم لأنه متخصص في السموم! وكأنه بهذا الكلام يرى أنه لا بد من تلطيف الجو للناس، وتخفيف كثافة نور الإسلام حتى لا يعشو أبصار الكافرين، فإن أعين الكفار لا تحتمله.
يقول: وأضرت ببصرها بهذا التضييق غير المشروع! وربما اصطدمت بالناس أو بوسائل المواصلات بسبب الإبصار بعين واحدة، فلا تحدد المسافة على الإطلاق، وحرمت نفسها من أحكام شرعية عظيمة وسنن ثابتة! أقول: إن من النماذج المهولة في بحثه أن عادته في الكتاب أنه يكذب الكذبة ثم يصدّقها، وخياله واسع جداً، حيث يتوهم ويتوهم، ثم يتعارك مع صدى الصوت حينما يرجع إليه وكأنه إنسان آخر يرد عليه! انظر كيف أنه يتخيل ثم يتعارك مع نفسه، لذلك أسمي ما قاله: (العراك مع صدى الصوت) إذ يقول: قد يذهب البعض ممن يحبون الجدل العقيم إلى القول بأن حجب العين اليمنى وإبراز اليسرى هو من قبيل تكريم العين اليمنى، وبذلك يحدث التوافق مع معنى التيامن الوارد في الحديث السابق، ونحن نقول: إن هذا كلام واه سقيم؛ لأنه -ببساطة شديدة- يقلب الحديث الشريف رأساً على عقب، إذ يجعل نظر المرأة من باب التشامل لا التيامن، وهذا يمثل خروجاً على قاعدة التيامن الواردة، ولو كان استثناء منها للزم النص عليه شرعاً، لا أن يلتقط من هنا وهناك، كما ثبت في السنة الحث على تقديم اليد اليسرى دون اليمنى عند الاستنجاء، فهذا مما هو معلوم بطريق الشرع بالنص عليه، وهو ثابت في بابه، وليس هاهنا مجال للتوسع فيه، فتأمل.
أقول: نعم تأمل! ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني ثم يقول: كما أن الزعم بأن الحجب في الجوارح تكريم هكذا وفق الهوى ودون نص ثابت يؤدي إلى إمكان القول بأن من تكريم اليد اليمنى حجبها عند الطعام وتقديم اليسرى بدلاً منها، وهذا مخالف للسنة النبوية الشريفة، فإن قيل: كلا، إن تقديم اليد اليمنى لتناول الطعام والشراب والنهي عن تقديم اليسرى لذلك ثابت نصاً فلا تصح المخالفة.
قلنا: إن ذلك مسلّم به، فهل ثبت لديكم نص بإبراز العين اليسرى للنساء عند الإبصار وتأخير أو حجب اليمنى؟ إن كان لديكم هذا النص فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
وأقول: انظر كيف خرج هكذا عن الموضوع الأصلي الذي نتناوله بالنقاش! فهل نحن نتكلم عن تكريم الأعضاء أو عن قاعدة التيامن في كل شيء؟! سبحان الله! هكذا تكون المراوغة عند الإفلاس عن وجود الدليل.
الرجل يتعارك مع نفسه، فصوته يعود إليه ويتعارك مع صدى الصوت؛ إذ لا يوجد أحد افترض هذا الكلام التافه، وهذه التلبيسات كثيرة في كتابه من أول الكتاب إلى آخره، فانظر إلى العلم والاجتهاد والتجديد! ثم بعد هذا تفتح له الجريدة بهذه الطريقة المريبة!