تجاهله لأقوال أهل العلم وعدم التأدب معهم

ثم يغالط ويقول: وأقول لسيادته -أي: يقول لي-: إنك -يا أخي- تفعل مثلما يفعل أحد المتخاصمين -لا أقول الخصمين- الذي يختلف مع أخ له في أمر ويريد أن يدلل على صدق موقفه أمام القضاء، فيسرد أسماء أشخاص قالوا بصدقه وأنه على حق، دون أن يدخل في لب القضية فيعرضها ويبينها، ولو أن كل أتباع رأي أتوا بأسماء العلماء المؤيدين لهم لبقي الخلاف في كل الأمور قائماً، لكن الأصح هو أن نأخذ الرأي بدليله دون أن نعجب بالأسماء أو نستكثر منها.

وأقول: هذا لو كان في المسألة خلاف، لكن كل العلماء ضدك، وأنت يتيم خارج عن الجماعة، فكيف تدلس وتوهم أن هناك خلافاً في القضية، وتقول: ولو أن كل واحد جاء بأسماء العلماء إلخ؟! بل كل العلماء لم يقل منهم أحد بقولك، فائت بعالم واحد خلال أربعة عشر قرناً قال ببدعتك وضلالتك! ثم يفتخر ويقول: هل رأيتني -يا أخي- في كلامي عن النقاب أذكر أسماء أو أعرض أدلة، إن الذي قرأ الكتاب يعرف ذلك جيداً، ولهذا فما زلت أقول لك: المشكلة أنك لا تعرف حقيقة المنهج العلمي أصلاً، فلا يعقل أن أزعم أنني وحدي على الحق دون سائر العلماء الأفاضل، معاذ الله! يقول هذا وهو يشتم العلماء الأفاضل كلهم، ويقول: إنهم تأخذهم العزة بالجهل! ويصفهم بالجهل والسفه وأقبح الصفات، وهو هنا يدعي أنه يحترم رأي الآخرين.

يقول: معاذ الله! إنما قدمت رأيي الذي اقتنعت به، ولم أقتنع بآراء علماء أفاضل.

وكان ينبغي أن يقول: لم أقتنع بآراء كل العلماء الأفاضل لأنه خالفهم كلهم، فهو يوهم أن هناك علماء معه يؤيدونه.

يقول: ولم أقتنع بآراء علماء أفاضل على الرغم من ذيوع شهرتهم وعلو منزلتهم؛ لأن كلامهم لم يكن قوياً من الناحية العلمية مع تقديري لمكانتهم العالية! ولا أكتمك هذا؛ فإني لو كنت أرى أن الناس يحتملون نقد كلام هؤلاء الكبار وبيان عدم قوة الدليل العلمي لبينت لهم ذلك، ولكن الناس لا يحتملونه الآن.

إذاًَ: ما زال هناك أشياء ستأتي، ولعلي -بفضل الله- أقدم ذلك فيما بعد إذا استطاع الناس أن يحتملوه بمشيئة الله تعالى وفضله ورحمته.

أقول: وإنما ذكرت اتفاق المسلمين على مشروعية النقاب بهذه النقول المختصرة لبيان فساد هذه المقولة المبتدعة، وأنها مخالفة لسبيل المؤمنين، ولست بصدد الكلام على أدلة وجوب النقاب -وما أكثرها- لأن لكل مقام مقالاً، ومع أنني قلت له: ليس هذا مقام التفصيل.

فأوهم أن هذا كل الرد الذي أرسلته، وخبأ الجزء الثالث الذي فيه الأدلة، ثم بتر الفقرة التالية بكاملها وأخفاها؛ لأنها تفضح جهله أيضاً، ولم يذكر منها إلا هذين السطرين: السبب الرابع: أن هذا الرأي الكاسد والقول الفاسد لا يدخل في الخلاف السائغ.

وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر وبتر الكلام ووقف هنا، ثم أخذ يرد عليه، وقال: ثم يقول صاحب الرسالة بعد ذلك: رابعاً: أن هذا الرأي الكاسد والقول الفاسد لا يدخل في الخلاف السائغ.

وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر وهنا -أيضاً- نردف بتعليقنا على ذلك فنقول: هل وجدتني -يا أخي- استندت في قولي بالتحريم إلى أن القول في النقاب قول فيه خلاف! فالمصيبة أنه لا يعتبر أن المسألة فيها خلاف، وأنا أقول له: إن هذا خلاف لا يجوز؛ لأن الخلاف فيه تناقض في أقصى الطرفين إلى آخر ما أذكره، فيرد بقوله: من قال لك: إن فيها خلافاً؟ فهو -أيضاً- يهمل أقوال جميع العلماء الذين يقولون بالوجوب أو الاستحباب، أو حتى لو قال أحدهم بالإباحة فكلامه مهدر عنده ليس له قيمة، وكأنه يقول: كل عالم يقرر رأيي الذي أميل إليه، ومعاذ الله أن أقول: إن هذا باحث عن الحق.

يقول: هل وجدتني -يا أخي- استندت في قولي بالتحريم إلى أن القول في النقاب قول فيه خلاف، ثم أصدرت بناء على ذلك رأيي بالتحريم؟! لو أني فعلت ذلك لحق لك أن تنظر في قولي من حيث إنه يتعلق بالاختلاف من عدمه، لكنني درست موضوع النقاب دراسة تأصيلية بعيدة عن أقوال العلماء! وهذه أعظم وثيقة إدانة لهذا الجاهل؛ إذ كيف يتعلم بدون العلماء؟! وهذه تكفي في إبطال كل ما يمكن أن يخرف ويهرف به، ومع ذلك فهو يفتخر في موضع آخر ويعيرني بأني أعتمد على كلام العلماء، حيث يقول: لأنك لا تستطيع أن تنظر في الأدلة بنفسك! وهذا قطع لأعظم أسباب التوفيق، ألا تسأل أهل الذكر؟! فقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].

فيقول: لكني درست الموضوع -موضوع النقاب- دراسة تأصيلية بعيدة عن أقوال العلماء، سواء من أيّد أو من عارض.

وأقول: كلهم عارضوك، ولا أحد منهم أيدك.

ثم يقول: إنني درست النصوص بالحياد العلمي، وحققت ما استطعت من النصوص النبوية الشريفة، وكنت أقرأ الرأي فأدرسه، ولا أقول: قال فلان لتأييد وجهة نظري، كما لم أذكر بعض هذه الأقوال إلا نادراً لإثبات حق العلماء في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015