يقول المؤلف حفظه الله: إن لهذا الموضوع أهمية بالغة في ذاته وفي زمنه، وفيما يتعلق بمستقبل الدعوة الإسلامية، فمن حيث الموضوع ذاته فهو يتعلق بعقيدة المسلمين وتنقيتها من شوائب الغلو من جانب، ويتعلق بالدعوة الإسلامية والدعاة من جانب آخر.
أما من حيث زمن الموضوع فإن البحث كتب في الظروف الآتية: أولاً: بروز بعض أعمال الغلو وآراء الغلو من بعض المنتمين إلى التيارات الإسلامية، ولا شك في أن مثل هذه الانحرافات تحتاج إلى نقدها وكشفها نصحاً للمسلمين.
ثانياً: غياب معنى الغلو في الشريعة عن أذهان معظم الناس، فهم لا يعرفون ما معنى الغلو في شريعة الإسلام، وسحبوا على الإسلام مفهوم الغلو الموجود عند النصارى، فالنصارى يعبرون عن الغلاة بلفظة الأصوليين، هؤلاء هم الغلاة عند النصارى، فسحبوا نفس هذا اللفظ على الإسلام، مع وجود البون الشاسع بيننا معشر المسلمين وبين حقيقة هذا الإطلاق الخبيث كما سنبين إن شاء الله تعالى بالتفصيل.
إذاً: فغياب معنى الغلو عن معظم أذهان الناس جعلهم يأخذون مفهوم الغلو عند النصارى الذي يعبرون عنه بالأصولية أو يعبرون عنه بالتطرف، مما يؤكد الحاجة إلى بيان المعنى الصحيح حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها.
ثالثاً: اتخاذ محاربة الغلو ذريعة لمحاربة الإسلام، مما يستلزم رفع الستار عن أخطر ميادين الصراع بين الإسلام وبين الكفر، فلو أنهم ظهروا بأنهم يريدون تحطيم الإسلام وحرب الإسلام والتنفير من الإسلام ذاته لواجهوا مقاومة شديدة من المسلمين، لكن استغلوا بعض الغلو من بعض الناس فاتخذوه ستاراً كي يغطوا الزحف الذي يحاولون من ورائه القضاء على دين الله تبارك وتعالى.
أما من حيث مستقبل الدعوة فإن لهذا الموضوع أهمية عظيمة جداً؛ لأن التجرد من الغلو وكشف استغلال الأعداء لكلمة الغلو لاشك في أن له أثراً عظيماً جداً في تصحيح مسار الدعوة الإسلامية.
فبحث هذا الموضوع -موضوع الغلو- يمكن أن يساعد على ذلك، وذلك من عدة نواح: أولاً: بالتأصيل، وذلك بوضع القواعد التي تحكم المواضع التي يحصل فيها الخلط بين التمسك بالدين وبين الغلو.
ثانياًًً: بالتحصين، فإن الغلو -في الحقيقة- ليس مشكلة آنية وقتية فقط، لكنه مشكلة قد تتكرر في كل وقت وفي كل زمان، فالحادث يمكن أن يزول، لكن قد يطرأ مرة أخرى إذا وجدت عوامله، فلابد من بيان جذور الغلو التاريخية وأصل النشأة؛ حتى تقطع المشكلة ويحصن الدعاة بضدها فلا يتكرر نموها مرة أخرى.
ثالثاً: من أجل حماية الدعوة الإسلامية؛ لأن وجود الغلو سبب عرقلة الدعوة الإسلامية، ولقد أوجد الغلو المسوغات لضربها، فلابد من إبعاد هذه العوائق عن طريق الدعوة الإسلامية وحمايتها من كل ما يتسبب في عرقلتها والوقوف في طريقها.