قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة:8] عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم! فقالت عائشة: وعليكم السام، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قلت: ألا تسمعهم يقولون: السام عليك -يعني: الموت- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوما سمعت أني قلت: وعليكم، فأنزل الله: ((وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ)) [المجادلة:8]).
وفي رواية في الصحيح: (أنها رضي الله عنها لما قالوا: السام عليك يا محمد! قالت: عليكم السام والذام واللعنة، فنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا).
ونستفيد من هذا أن الجواب يكون هكذا في رد تحية أهل الكتاب؛ لأنهم يلحنون في القول، وربما ذكروا مثل هذه الأشياء، كقولهم: السام عليكم، أو السام عليك، وهم يقصدون بذلك الدعاء على المؤمنين بالموت والهلكة، فعلمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نجيبهم فقال: (وعليكم) يعني: نفس الشيء الذي تدعون به علينا فنحن ندعو به عليكم، فإن كان قال: السام، فعليه السام -أي: الموت- أيضاً.
ويحتمل أنه أراد أنها من الدعاء على حسب نية القائل، ويحتمل أنه أراد أن يذكرهم بأن هذا أمر مقدور عليه وعليهم لا يستوجب الشماتة أو الدعاء؛ لأن الموت من سنن الله تبارك وتعالى، فكل الناس صائر إلى الموت، فكأنه قال: وعليكم، أي: أن الموت مكتوب عليكم كما هو مكتوب علينا، لكن إن كان قصدهم الدعاء ثم أجاب بقوله: وعليكم، فإنه بين أنه يستجاب لنا فيهم إذا دعونا عليهم، أما إذا دعوا هم على المؤمنين فلا يجيب الله تبارك وتعالى لهم في المؤمنين.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذا أتى عليهم يهوديٌ فسلم عليهم، فردوا عليه، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون ما قال؟ قالوا: سلم يا رسول الله! قال: بل قال: سأم عليكم، أي: تسأمون دينكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوه، فردوه عليه، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أقلت: سأم عليكم؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سلم عليكم أحدٌ من أهل الكتاب فقولوا: عليك) يعني: عليك ما قلت، وهذا مخرج في الصحيح.