إن إعفاء اللحية سبيل المؤمنين، يقول الله تبارك وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110].
وقال عز وجل: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15].
وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) فقوله: (عضوا عليها بالنواجذ) كناية عن شدة التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.
ثم قال: (عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة) وهذا الحديث صحيح.
وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين المهديين وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنهم كانوا ذوي لحى كبيرة، فكان أبو بكر رضي الله عنه كث اللحية، وكان عمر كثير اللحية، وكان عثمان كبير اللحية، وكان علي رضي الله عنه عريض اللحية قد أخذت ما بين منكبيه، فهؤلاء أعقل الأمة كلها بإجماع علمائها، ثم بعدهم الأتباع المحسنون والمجاهدون الصادقون الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها، لم يكن فيهم حالق للحيته، وكل هؤلاء الذين فتحوا العالم ومصروا الأمصار ما عرفوا حلق اللحية.
إذاً: هذا هو سبيل المؤمنين.
ومن دعاء المؤمنين عباد الرحمن قولهم: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74] أي: اجعلنا مؤتمين بمن قبلنا؛ كي نصلح لأن يأتم بنا من بعدنا.
ولم ينقل عن أحد من السلف الصالح رحمهم الله أنه حلق لحيته؛ لعدم جوازه عندهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ونحن نقول عكس ما قال المشركون، قالوا في القرآن: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف:11] قالوا احتقاراً للفقراء والضعفاء: لو كان القرآن والإسلام خيراً ما سبقنا إليه هؤلاء الضعفاء والفقراء والمساكين، أما نحن فنقول في كل أمر يعرض علينا: لو كان خيراً لسبقونا إليه، فلو كان في حلق اللحية خير لسبقنا إليه الصحابة والتابعون والمجاهدون والأئمة في كل زمان ومكان، فالصحابة والسلف لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها.
يقول الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في مراتب الإجماع: واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز.
وهذا إجماع يحكيه الإمام ابن حزم.
قوله: مثلة يعني: تشويه، لا تجوز.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يحرم حلق اللحية ولم يبحه أحد.
فلو فتشت في طول صفحات التاريخ الإسلامي وعرضه لم تجد من أئمة الهدى ومصابيح الدجى من كان يحلق لحيته، وإنما تسربت إلينا هذه الضلالة واستمرأها بعض المسلمين لما اتصلوا بالكفار، حين احتلوا بلادنا أو حين رحل بعضهم إلى بلاد الكفار، فاحتلوا عقولهم، فأعرضوا عن هدي سلفهم الصالح، واتبعوا غير سبيل المؤمنين حذو القذة بالقذة، واشتغلوا بتقليد اليهود والنصارى وعملوا شبراً بشبر وذراعاً بذراع.
والله تبارك وتعالى يقول: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18] ونحن إذا تتبعنا القرآن الكريم سنجد الشريعة والوحي الإلهي دائماً في مقابلة اتباع الهوى، يقول عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:50]، وقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]، {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص:26] فقوله عز وجل: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) هم كل من خالف شريعته صلى الله عليه وسلم، وهم الذين اتبعوا ما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك.