وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أم رومية -أي: روما-؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً) يعني القسطنطينية، وتحقق هذا بعد حوالى ثمانمائة سنة على يد السلطان محمد الفاتح العثماني.
ولهذا السلطان ترجمة طيبة، لكن نشير إشارة عابرة إلى شيء مهم جداً يعكس أننا لابد من أن نهتم دائماً بالجيل القادم، ولابد من أن نربي أولادنا لأجل أن يحملوا هذه الرسالة، وإذا كنا قد هدينا إلى الالتزام وإلى الإسلام في سن متأخرة -إذ ربما التزم بعض الإخوة بعد أن دخل الجامعة أو في الثانوية- فنرجو أن يكون الجيل المقبل -إن شاء الله- أسعد حظاً في أن ينشأ من صغره على هدف يعيش من أجله.
أما قصة محمد الفاتح فهي -باختصار شديد- أنه كان ابن السلطان، فكان يؤدبه شيخ وهو طفل صغير، ومؤدبه يدعى آق شمس الدين، وكان هذا العالم المربي هو الذي يربيه ويهذبه ويعلمه، وكان هذا الشيخ يأخذ يد الطفل الصغير محمد الفاتح بين وقت وآخر، ويذهب به إلى الساحل الذي يفصل آسيا عن أوروبا؛ لأن اسطنبول يقع جزء منها في آسيا وجزء منها في أوروبا، وكانت تسمى (الآستانة) في الحقيقة، لكن أتاتورك سماها اسطنبول، واسمها كان (إسلام بول) أي: مدينة الإسلام.
فكان يأخذ محمد الفاتح وهو صبي صغير إلى الساحل بصفة مستمرة، ويقول له: انظر إلى هذه المدينة التي هناك، هذه المدينة هي القسطنطينية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون القسطنطينية، فنعم الجيش جيشها، ونعم الأمير أميرها)، ثم ينصرف، ثم يأخذه بعد ذلك مرة أخرى ويسحبه بيده وهو طفل صغير، فظل مداوماً على هذا حتى تولد لدى هذا الصبي الصغير الهمة في أن يدخل في دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمغفرة لهذا الجيش، وبالمدح والثناء لأميره: (فنعم الأمير أميرها ونعم الجيش جيشها) فعاش لأجل هذا الهدف فقط لا لغاية أخرى، وهذا الشيخ كان يعلم أن هذا الرجل سيكون في يوم من الأيام سلطاناً، فأراد أن يساهم في تحقيق هذا النصر العظيم، فأوجد في هذا الصبي من صغره هذه الهمة، فيعيش ليؤدي هذه الرسالة، ويحمل هذا الشرف، ليس كل همه أن يجمع المال، وأن يخرج بمنصب مرموق، وأن يعيش عيشة طيبة، فهذه همة دون، أما أصحاب الهمم العالية فهم يهتمون بمعالي الأمور.
فعليك أن تربي أولادك إذ لا يبعد أن يكون ابنك الصغير الذي يركض في المهد ويصرخ ويصيح هو الذي سوف يمكن الله للإسلام على يديه، ولا تحتقر ما في هذه الأجيال والأطفال من طاقات، فينبغي الاهتمام الشديد بالأجيال المقبلة، ونرجو أن تكون أسعد حظاً من جيلنا.