بعض الناس يتحرج جداً من كلمة (أنا)، فيحسبون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كره من جابر كلمة (أنا)، وقال له: (أنا، أنا!) أن هذه فيها تشبه بإبليس، وهذا المعنى راسخ عند العوام، حتى إن بعضهم إذا كلمته واضطررت إلى استعمال كلمة (أنا) يقول: أعوذ بالله من أن أقول: (أنا)، فهم يظنون أن هذا تشبه بإبليس، حتى قال بعضهم: كلمة (أنا) لم تزل مشئومة على أصحابها، ولا شك أن هذه الكلمة لا تزال جارية على ألسنة الطغاة والمتجبرين في سياق ذكر مفاخرهم، والزهو بأنفسهم.
فالحكم على كلمة (أنا) ليس على إطلاقه، والسياق يفرق، فأحياناً يجوز استعمالها، وأحياناً لا يجوز استعمالها، فلا يجوز استعمالها في أمر الاستئذان، ولا يجوز أيضاً أن يستعملها الإنسان في الزهو، أو الفخر، نحو: أنا الذي عملت، وأنا الذي صنعت إلى آخر هذه العبارات، كما يفعل الطغاة والمتجبرون، ولذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في المكروه من الألفاظ في (زاد المعاد): وليحذر كل الحذر من طغيان ثلاث كلمات: من طغيان أنا، ولي، وعندي، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون، فـ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف:12] لإبليس، و {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف:51] ابتلي بها فرعون، و {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78] ابتلى بها قارون، وأحسن ما وضعت له (أنا) في قول العبد: أنا العبد المذنب المخطئ المستغفر المعترف ونحوه، ولي في قوله: لي الذنب، ولي الجرم، ولي المسكنة، ولي الفقر والذل، وعندي في قوله: اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي.
يعني: أنها تستعمل استعمالاً صحيحاً واستعمالاً مذموماً كما بينا.
فليس الأمر كما أطلق من ظن أن كلمة (أنا) مكروهة لمجرد مشابهة إبليس، خاصة أن هناك نصوصاً كثيرة تناقض هذا القول، حيث استعملت فيها كلمة (أنا) في موضعها، فلا حرج من استعمالها في موضعها، فمن ذلك قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:110]، وقال عز وجل حكاية عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:163]، وقال: {وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86]، وقال: {إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [العنكبوت:50]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا) في عدة أخبار مثل قوله: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، وقوله أيضاً صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا) فقول أبي بكر (أنا) لا محذور فيه؛ لأنّه كان حاضراً في المجلس ويرونه، بخلاف ما لو كان في الاستئذان.
(قال: من شهد منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أطعم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، قال مروان بن معاوية: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة).
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله عز وجل بما لا أعلم؟! وقال علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدرة.
وعن بريدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ، قال: فجئت فقال: من هذا؟ قلت: أنا بريدة).
وفي الصحيح في حديث أم هانئ: (فقلت: أنا أم هانئ).