توحيد الربوبية لا يكفي لدخول صاحبه في الإسلام، فإن فرعون كان يعلم بوجود الله تعالى رغم أنه الذي كان يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، وكان يقول: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]، وكان قومه يعلمون بوجود الله، والدليل على ذلك: أنهم لما أتاهم بأس الله هرعوا إلى موسى وقالوا: {يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف:134]، وفرعون نفسه -كما حكى الله عز وجل عنه في سورة الإسراء- قال له موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:102]، هذا خبر عن موسى عليه الصلاة والسلام، فيخبر عما في قلب فرعون، وهو لا يخبر إلا عن شيء يعلمه، كما جاء في سورة النمل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14]، لكن كانوا في قلوبهم يعلمون يقيناً أن موسى رسول الله حقاً.
إذاً: كان فرعون يعلم أن هناك إلهاً، وكان يعلم أن موسى رسول الله بنص القرآن كما بينا، موسى يقول لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ} [الإسراء:102] يعني: هؤلاء الآيات: {إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:102]، إذاً بنص القرآن فإن فرعون كان يعلم بوجود الله، وأبو جهل كان يوحد توحيد الربوبية، وأبو لهب كان يوحد توحيد الربوبية، واليهود بلا شك يوحدون توحيد الربوبية، وكذلك النصارى، لكن العبرة بما يأتي من أقسام التوحيد.