الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالإلهية على جميع خلقه، والمختص بنعوت الكمال وصفات الجلال والجمال بلا شبيه ولا مثال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وأمره أن يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وعلى آله وصحبه أهل العدل والتوحيد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فمن نافلة القول، ومكرور الكلام أن يقال: إن التوحيد هو أساس الإسلام، وإنه أصل أصوله، وإن التوحيد من الإسلام بمكان الذروة والسنام، فذلك أمرٌ اتفقت عليه دعوة الرسل أجمعين من لدُنْ آدم إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما من الرسل أحد إلا افتتح دعوته بقوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود:50].
فالتوحيد هو زبدة الرسالات الإلهية وغايتها، وقطب رحاها وعمدتها، ترتكز كلها عليه، وتستند في وجودها إليه، تبتدئ منه وتنتهي إليه، ولا عجب! فهو يقوم على إفراد الله عز وجل بما هو محض حقه من أنواع العبادة وصورها، وإخلاص القصد والإرادة له في أدائها، واعتراف الإنسان على نفسه وعلى غيره من المخلوقات بوجوب العبودية لله في سائر الحالات.
فالله وحده هو ربهم، ومليكهم، والقاهر فوقهم، والمتصرف فيهم بما يشاء، لا رادّ لحكمه، ولا دافع لقضائه، وهم جميعاً المرذولون المقهورون الفقراء المحدثون الضعفاء، الذين لا غنى لهم عنه طرفة عين، ولا قيام لهم بدونه لحظة من الزمان.
فلم يرسل الله عز وجل نبياً ولا رسولاً إلى قومه إلا وجعل مفتاح دعوته أن يقول لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود:50]، فهذا الأصل هو أصل الأصول في دين الإسلام.