وجه كون قوله تعالى: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم) أرجى آية في كتاب الله

هناك أقوال أخرى فيما يتعلق بأرجى آية في القرآن: قيل: إن أرجى آية في القرآن هي قول الله سبحانه وتعالى في سورة النور: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] قال العلماء: إن في هذه الآية الكريمة دليلاً على أن كبائر الذنوب لا تحبط العمل الصالح؛ لأن مسطح بن أثاثة من عمله الصالح الهجرة في سبيل الله، ومع ذلك وقع في قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وخاض في الإفك، فأقيم الحد عليه، ومع ذلك ثبت الله سبحانه له وصف الهجرة والمهاجرين في سبيل الله.

فقذفُ عائشة رضي الله عنها من الكبائر، ومع ذلك لم يبطل هجرته؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال بعد هذه الكبيرة: (والمهاجرين في سبيل الله) فدل على أن هجرته في سبيل الله كانت خالصة، ولم يحبطها قذفه لأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.

قال القرطبي في هذه الآية في سورة النور: معروف أن مسطحاً لما وقع في عائشة رضي الله تعالى عنها، فكان أبو بكر يعطيه نفقة وأموالاً، فغضب منه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فقطع عنه هذه النفقة.

هناك من الأشعار اللطيفة كون الإنسان إذا أساء إلى إنسان فلا يحتج بفعل مسطح.

كان هناك رجل له ولد عاق لا يطيعه، فقطع أبوه عنه النفقة التي كان يؤتيه إياها، فبعث إليه ولده بهذه الأبيات يقول فيها: لا تقطعن عادة بر ولا تجعل عتاب المرء في رزقه فإن أمر الإفك من مسطح يحط قدر النيل من إفكه وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه فكتب إليه أبوه يقول: قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى في السير في طرقه لأنه يقدر على توبة توجب إيصالاً إلى رزقه لو لم يتب من ذنبه مسطح ما عوتب الصديق في حقه فهو يحتج بقوله تعالى: ((أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)) [النور:22] في حق مسطح، ولم الصديق في حقه إلا بعدما أظهر مسطح الندم، وتاب من هذه الكبيرة.

وقوله: (قد يمنع المضطر من ميتة) هذه قاعدة معروفة، وهي: أن الرخص لا تناط بالمعاصي، فالإنسان إذا فعل معصية فليس له أن يترخص بالرخص الشرعية حال مباشرته لمعصية، كالشخص الذي يسافر لأجل معصية معينة يرتكبها، فهل له أن يقصر الصلاة؟ لا، ليس له أن يقصر الصلاة، وليس له أن يأكل الميتة إذا اضطر؛ لأنه في سفر معصية، فالرخص لا تناط بالمعاصي؛ فلذلك يقول هذا الأب لولده العاق: قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى في السير في طرقه يعني: إذا مشى في الطرق في سفر معصية فيمنع من هذا الرزق.

لأنه يقدر على توبة توجب إيصالاً إلى رزقه لو لم يتب من ذنبه مسطح ما عوتب الصديق في حقه نعود لما نحن بصدده، يقول الإمام القرطبي: في قوله تعالى: (ولا يأتل أولوا الفضل) دليل على أن القذف وإن كان كبيراً لا يحبط الأعمال؛ لأن الله تعالى وصف مسطحاً بعد قوله في عائشة بالهجرة والإيمان، وكذلك سائر الكبائر، ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله، قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65].

وقال القرطبي أيضاً: قال الإمام مسلم: قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله.

ثم قال بعد هذا: قال بعض العلماء: هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى من حيث لطف الله بالقذفة العصاة اهـ.

بهذا اللفظ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015