أيضاً من فضائل التمسك بالسنة: أن الإنسان إذا عمل بالسنة ثم اُقتدي به في العمل بهذه السنة فإنه يؤجر مثل أجر كل من اتبعه لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً: والدليل حديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر؛ بل كلهم من مضر، فتمعر -تغير- وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة -أي: لما رأى من آثار الفقر الشديد عليهم- فدخل ثم خرج -يبدو أنه دخل يبحث عن شيء في بيوته فما وجد- فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء:1] إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر:18]، ثم قال عليه الصلاة والسلام: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة -يعني: ليتصدق ولو بشق تمرة- قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت،)، ووضعها أمام النبي عليه الصلاة والسلام، فالصحابة لما رأوا هذا الرجل الأنصاري يفعل ذلك اقتدوا به فيما فعل، فيقول: (ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة -يعني: كأنه فضة- حينئذٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء) إلى آخر الحديث.
قوله: (ولو بشق تمرة) فيه حث على الابتداء بالخيرات، فالإنسان يحرص دائماً على أن يبتدئ بالخيرات، فإما أن يفعل هو خيرات ابتداءً فيقتدي به الناس، أو يحرضهم؛ لأن: (الدال على الخير كفاعله).
وقوله: (من سن) يعني: من أحيا.
وليس المقصود: من اخترع أو ابتدع؛ لأنه يتصادم مع عموم قوله: (كل بدعة ضلالة)، فلا يمكن أبداً أن يقبل ما يقوله أهل البدع حين يخترعون في الدين، ثم يقولون: (من سن)، فهل الصدقة اختراع؟ وهل هذا الصحابي الأنصاري الذي تصدق اخترع الصدقة أم أنه أحيا سنة الصدقة فاقتدى الناس به في ذلك؟ فإذاً قوله: (من سن) لا يمكن أن يكون معناه: من أحدث في الدين ما ليس منه، بل هذا بدعة وضلالة كما نعلم.
وسبب ورود هذا الحديث هو ما جاء في أوله (فجاء رجل أنصاري كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، فتتابع الناس) إلخ.
فإذاً: كان لهذا الرجل فضل فتح هذا الباب من الإحسان، وهذا طبعاً يفيد التحريض على أن المسلم حيث ما كان ينبغي أن يحرض الناس على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.