ومن الأمور التي أحب أن أشير إليها علاوة على ما تقدم أن كثرة الجدل تقسي القلب، (وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا بالجدل) كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالجدل إذا أصبح سمة للإنسان وسمة للأمة وأصبح مظهراً لازماً، لا يجلس الناس مجلساً إلا وكان لهم فيه جدل؛ فهذه علامة مرض، والجدل يفرق ويقسي القلوب.
وأنا لا أعني ألا يكون هناك أي جدل، فقد أمر الله رسوله فقال: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، إنما الذي أعنيه ألا يصبح مظهراً يشغلنا عن كتاب الله وعن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعن ذكر الله وطاعته.
وأنا لا أعني أن نترك الحوار الذي يؤدي إلى الحق، ولكن لا أريد أن يتعمق هذا بحيث يفرق ويقسي قلوبنا، إنما يكون الجدل للوصول إلى الحق، فإذا استعصت المسألة فهناك متسع من الوقت للبحث والتنقيب والدراسة، وأخيراً نصل إلى الحق إن شاء الله.
والجدل إذا ما تعمقت جذوره فهو علامة مرض خطير، وما ابتعد الناس عن الهدى إلا ألقي عليهم الجدل، وهذا ليس على إطلاقه، بل يجب أن نحاور أهل الباطل ونجادلهم ونبين لهم، ونحن فيما بيننا نتفاهم ونتشاور في المسائل التي تهمنا، وفي معالجة أمور ديننا، وهذا مما أمرنا به الإسلام، لكن لا نريد أن يصل الأمر إلى أن يشغل الناس بالجدل وبالقضايا الخلافية فقط، بل ينبغي أن يكون الهم دائماً تفهم الإسلام والقرآن، وزيادة الإيمان وتجديده، وتزكية النفوس، وفي أثناء ذلك تأتي قضايا قد لا يعلمها البعض أو يغفل عنها، لكن لا يكون الجدل همنا فنضيع الأصول بسبب الجدل، فهناك فرق بين هذا وبين ذاك، ونحن نسير في الطريق علماً وفهماً وعملاً، فهذا هو المنهج، وهذا هو الأصل، ونحن نريد أجر الله وثوابه، ونريد أن نحقق الإسلام في نفوسنا، وفي إخواننا، وفي الناس من حولنا، فأثناء سيرنا في الطريق قد نأتي على أشياء لا نفهمها، وقد يتساءل الناس عنها، فلابد أن نبينها.
فإن كان هناك أناس يعادوننا ويخاصموننا فنحن نرد خصومتهم، ونبين وندحض باطلهم، وهذه إنما هي وقفات في الطريق، ولكنها ليست هي المنهج والأساس.
ففي بعض الأحيان وعندما يتأزم الأمر خاصة بين الإخوة يكون ترك الجدل مطلوباً، وإن كان الإنسان يعتقد أنه على حق، بل ولو كان مستيقناً من الحق، فيكون ترك الجدل مطلوباً كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً)؛ لأن الطرف الآخر في بعض الأحيان قد يصل إلى أن يجعل الجدال نوعاً من الهوى، ففي هذه الحالة يجب على أحد الطرفين وإن كان معه الحق أن يتوقف، وألا نجعل الجدل سبيلاً لإضاعة الوقت وقتله والعياذ بالله، فهذه هي المصيبة.
وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً على أصحابه فوجدهم يتجادلون في القدر فقال: (ما لهذا أمرتم، فاقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم)، فإذا أحسسنا بعد ذلك أن الأمر لم يسر على هذا النحو فعلينا أن نتفرق من المجلس؛ لأن الجدل يقسي القلوب.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في بيان هذا الشيء المهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.