منذ فترة وجيزة عقد في مصر مؤتمر للسيرة أعلن اثنان من كبار العلماء إسلامهما لا لشيء إلا لأنهما رأيا ما توصل إليه العلم الحديث من دقائق قد تحدث عنها القرآن الكريم، وما حدثنا الله تبارك وتعالى به عن الأجنة وتكونها في الأرحام، وهما عالمنا في هذا المجال، رأيا أن القرآن يصور هذا أصدق تصوير قبل أن يصل الإنسان إلى ما وصل إليه في هذا العصر، فآمنا عن يقين واقتناع، ولذلك أشار الله تبارك وتعالى إلى هذا الدليل الذي يقوم النفوس ويهديها سواء السبيل قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} [الحج:5] أي: في شك منه، أي: لم تؤمنوا ولم يستقر الإيمان في قلوبكم، {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] التعقيب: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج:6] ذلك أي: إنما سقت لكم هذا لتتفكروا فيه، وتنظروا في هذا الكون وتصريف الله تبارك وتعالى له سواءً في مجال الأرحام، أو في مجال الماء النازل من السماء على الأرض اليابسة المجدبة فإذا بها تهتز خضراء معشبة، كل هذا لتعلموا أن الله هو الحق، {وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى} [الحج:6] كما خلقكم من تراب، وكما خلقكم من ماء مهين، وكما أحيا النبات كذلك يحيي الموتى، {وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:6 - 7].
إن المتأمل في نصوص الكتاب إذا تأملها في ساعة الصفا وتفكر فيها فإنها تنير القلب والعقل، وتبعث الإنسان حياً، وتعطيه حياته في نفسه وعقله وتصوره، فإذا به يرى الأمور رؤية أخرى، وإذا بها تزيد له اليقين، وتزيل عنه الشك: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} [الحج:5] والريب مرض إذا حل في القلوب أذهب الإيمان، ماذا نفعل؟ تتفكروا في آيات الله المقروءة، وتتفكروا في آيات الله المنظورة في السماء ونجومها وشمسها وقمرها، وفي الأرض وجبالها ونباتها وحيوانها وسهولها وبحارها، تتفكروا في ذلك، فإن ذلك يهديكم إلى الإيمان واليقين، إذا كنتم في شك فتأملوا وانظروا ما في السموات والأرض، {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:17 - 21]، {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق:5 - 8] {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس:24]، تأمل في هذا الطعام الذي تأكله! {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس:25 - 32].
فهذا هو السبيل إلى الهداية، ولذلك الإنسان في بعض الأحيان قد يقرأ القرآن كثيراً، ثم في لحظة صفا فيها إذا به يقرأ آية تفجر الطاقات الإيمانية في أعماق نفسه، وإذا بها تحيره، وهو قد قرأها مراراً ولكن لم يكن يلتفت إليها، هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر في ظلمة الليل على قارئ يقرأ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور:1 - 2] فاتكأ عمر رضي الله عنه على الجدار يستمع القارئ وهو يقرأ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:1 - 8]، فمرض لها شهراً يعوده الناس! أثرت في نفسه: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:7 - 8] فمرض لها شهراً.
في بعض الأحيان يؤثر في الإنسان موقف لا يؤثر في غيره، يحدثني رجل عن سبب هدايته، وكان رجلاً فاسقاً عربيداً، يقول: رأيت غلاماً فنظرت إليه منذ أن وضعته أمه في حجرها، ثم ابتدأ يمتص الثدي، قال: فجعلت أفكر في هذا، من الذي علمه؟! كيف اهتدى لذلك؟! الله {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50].
الإنسان قد يفكر في هذا، فإذا به يجد نفسه يتحسر على غفلته، قد ترى إنساناً لا يصلي ولا يقرأ القرآن ولا يتجه إلى الله، ثم تجده مواظباً على الصلاة تسأله: ما الذي جاء بك إلى المسجد؟ مات عزيز عليه، قريب من أقربائه يهمه أمره ووقف عليه وهو يدلى في حفرته ثم يوارى في التراب، وتأمل كيف سيكون مصيره كمصيره، وأنه يوماً سيرحل كما يرحل، فيهتز وجدانه، وتهتز نفسه ويؤوب إلى الله تبارك وتعالى.
إن المؤثرات كثيرة، وأحياناً يهتدي الإنسان بدعوة تخرج من قلب صادق يدعو بها له غيره، فتؤثر في نفسه كما حدث مع عثمان بن شيبة وكان قد شهد حنيناً كافراً، وعندما فر المسلمون وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في قلة معه، وجدها عثمان فرصة أن يشفي غليله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يأتيه من يمينه أو من شماله فوجد عمه على يمينه ووجد ابن عمه على شماله، فجاءه من خلفه فإذا شواظ من نار يحول بينه وبينه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ادن مني فدنا منه، ثم دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهدي قلبه، قال: فوالله ما رفع يده عن صدري حتى كان أحب خلق الله إلي، وقد كان أبغض خلق الله إلي.
إن دعوة الصالحين في بعض الأحيان تؤثر في القلوب، والنفوس، وتهدي للتي هي أقوم، وكم من رجل وامرأة آمنوا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدث مع أم أبي هريرة، فقد كانت تؤذي أبا هريرة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تذكره بسوء، وكان ذلك يؤلم أبا هريرة، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً وقال: يا رسول الله! ادع الله أن يهدي أمي، فقال: (اللهم اهد أم أبي هريرة)، فعندما وصل إلى البيت عجلاً ينظر أثر دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وجدها تغتسل من الكفر لتدخل في الإسلام.
إن دعوة الصالحين لها أثر كبير في تحويل نفس الإنسان، وفي استخلاص الباطل والشر من نفسه، وهدايته إلى الخير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.