حفظ الله لهذا الدين بأهل الحق

لقد كان من فضل الله علينا أن حفظ لنا قرآننا وسنة نبينا، فلم يحدث لنا كما حدث للأمم من قبلنا الذين ضلوا بعد أن ضاعت أو حرفت كتبهم، وكان من فضل الله علينا أيضاً أن أبقى معالم الحق واضحة في هذا الدين سواء في معتقداته أو في شرائعه، وهدى في كل جيل طائفة التزمتها وأظهرتها ونافحت عنها.

وقد قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).

وقد تمثلت هذه الطائفة في سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم من العلماء الذين ساروا على دربهم، واهتدوا بهديهم أمثال الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم كـ الليث بن سعد وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والبخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم كثير.

وحال سلفنا الصالح وأقوالهم وعقيدتهم محفوظة مدونة، وطريقهم ليس فيه خفاء، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وعندما سئل عن الفرقة الناجية المنصورة قال: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي اليوم).

ومنهج هذه الفرقة الناجية المنصورة: هو المنهج الإيماني القرآني النبوي، ويقابل هذا المنهج: المنهج الفلسفي الكلامي، والمنهج الفلسفي الصوفي الاستشراقي.

إذاً: فالمنهج الإيماني القرآني يقابله منهجان: منهج الفلاسفة المتكلمين، ومنهج الفلاسفة المتصوفين.

ويختلف هذا المنهج القرآني النبوي عن المنهج الفلسفي في مصادره ومنابعه، وفي طريقه وسبيله، وفي قوة تأثيره وسيطرته، وفي الأسلوب وطريقة الاستدلال، وفي الغاية التي يرمي إليها.

وقد حارب أئمة السلف الاتجاه الفلسفي الكلامي والصوفي الذي يريد أن يأخذ الأمة بعيداً عن المنهج الإيماني القرآني النبوي، فقد حارب هذا الاتجاه الإمام الشافعي، والإمام أحمد، والإمام ابن خزيمة والبخاري وغيرهم من أئمة الهدى.

وفي كل عصر يظهر الله من العلماء والأئمة من يظهر هذا النهج القويم، الذي يحيي النفوس ويهدي للتي هي أقوم.

ومن أعظم الذين قيظهم الله لنصرة هذا المنهج: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد كان ذا عقل ثاقب، وفكر راجح، وقد أحاط بأقوال العلماء، ووفق للصواب، ونفع الله به البلاد والعباد، وتتلمذ على يديه علماء أعلام كـ ابن القيم وابن كثير وغيرهما.

ومن العلماء الذين هدوا للمنهج الإيماني القرآني النبوي في العصور الأخيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي ظهر في القرن الثاني عشر الهجري في وسط نجد، فحارب الشرك والباطل ونصر الحق، ونشر كتب العلم الأصيلة.

ومنهم أيضاً محمد بن إسماعيل الصنعاني المعروف بـ الأمير الكحلاني صاحب (سبل السلام)، ومنهم العلامة الشوكاني صاحب (نيل الأوطار) وهما من علماء اليمن الأخيار.

وقد ورثنا عن أصحاب المنهج الإيماني القرآني النبوي كثيراً من الكتب التي توضح معتقد أهل السنة والجماعة وتحارب المنهج الفلسفي الكلامي وتبين معايبه، ومن خير هذه الكتب (العقيدة الطحاوية) ومؤلفها هو أبو جعفر الأحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي المتوفى سنة ثلاثمائة وواحد وعشرين هجرية، وقد شرحها شرحاً قيماً رائعاً: صدر الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015