إن الله العليم القدير الحكيم هو الذي خلقنا، وهو أعلم بنا من أنفسنا، فهو يعلم أننا بحاجة إلى معرفته لأنه خالقنا، ويعلم أن نفوسنا لا يمكن أن يقر لها قرار ما لم تعرف الذي خلقها، وما لم تعرف الطريق إليه، ويعلم كذلك أن العقل الإنساني الذي وهبه لنا لا يمكن أن يصل بنفسه إلى معرفة صفات وأسماء خالقه وإلهه، ولا يعلم كيف يعبده.
فتكفل لأبينا آدم عليه السلام عندما أهبطه إلى الأرض أن يمد ذريته من بعده بالنور والهدى، وهو الوحي الذي يعرفهم بربهم، وبالحقائق الكبرى التي لا بد لهم منها، وتكفل أيضاً لمن اتبع نوره المنزل على الأنبياء بالخلاص من الضلال الذي يعيش فيه البشر، وبالنجاة من الشقاء الذي تتردى فيه القلوب والنفوس، وقد توعد الرافضين لوحيه وهداه بالحياة الضنكة الشقية في الدنيا، وفي الآخرة توعده بحياة أشد ضنكاً وشقاء.
قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38].
وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:124 - 127].
ولقد بقيت البشرية بعد أن هبط آدم إلى الأرض، وتكاثرت ذريته على التوحيد، فكان الناس أمة واحدة، ولكن البشر فيما بعد ضلوا في إلههم ومعبودهم، فعبدوا من دونه أولياء؛ فاتخذوا وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، فكانوا يدعونهم ويستغيثون بهم، فأرسل الله لهم أول رسله، وهو نوح عليه السلام، فأنذرهم ودعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما يعبد من دونه، فآمن له قليل واستكبر منهم الكثير، فأهلكهم الله تعالى.