ومرة أخرى أقول: إن هذه القاعدة حق في ذاتها، فالمشركون كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وأنه لا شريك لله سبحانه وتعالى في ربوبيته، فهو رب السماوات والأرض، ويخالفون في توحيد الألوهية؛ وأن العبادة لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
لكن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نتغاضى عن دراسة توحيد الربوبية، فينبغي أن يعتنى به وأن يدرس، خاصة وأنه قد أصبح هناك صراع في العصر الحاضر حول هذه القضية الأولى التي لم يكن هناك صراع حولها في الماضي، فأصبحت هناك فئات كثيرة في مشارق الأرض ومغاربها تنكر أن يكون لهذا الخلق خالقاً، وأن يكون لهذا الوجود موجِداً، فهذه المشكلة لم يعانها السلف رضوان الله عليهم كما نعانيها نحن اليوم، لذلك فلا بد من دراسة أبعاد هذه المسألة الأولى لأمرين: الأمر الأول: لإقرارها في نفس المسلم، فالمسلم بحاجة إلى أن تقر معاني توحيد الربوبية في نفسه، لا أن يكون هناك مجرد اعتراف، ولكن كما يثيرها القرآن في النفس الإنسانية.
الأمر الثاني: ففي مسائل الاعتقاد كانت هناك شبهات ترد على المسلمين في وقتهم، هذه الشبهات شبهات في العقيدة وردت إلى المسلمين من تقصيرهم فيما أنزل إليهم، أو وردت إليهم من خارج بلادهم من الميراث الذي ورثته الأمم التي دخلت في الإسلام، فقد ورثت عقائد وتصورات.
فكثير من الناس دخلوا في الإسلام بعقائدهم وتصوراتهم، فتركوا بعضاً منها وبقي في أذهانهم بعضها، وبعضهم دخلوا في الإسلام مغرضين، ووجَد بعض المسلمين كتباً قرءوها عن تصورات الأمم لمعبوداتها، فاختلطت عليهم الأمور، فالمسلمون كانوا يتعرضون لمشاكل العقيدة التي حدثت ووُجِدت في عصرهم.