أخذ الكفار أبناءنا وعلموهم فأفسدوهم، وجاءوا بهم باحثين في جامعاتنا ومدارسنا، مادة واحدة أو مادتين تدرس في كلية الحقوق، ثم يتخرج من كلية الحقوق أبناء المسلمين وأبناء النصارى، ويدرس فيها أناس أوروبيون، أو نصارى بل يدرس فيها كل من هب ودب؛ لأن هذا ليس شريعة إسلامية بل قانون وضعي، وأشرب أبناء المسلمين حب هذه القوانين، وصارت فقهاً وتشريعاً، وصار الإنسان لا يؤلمه قلبه عندما يدرس هذه القوانين، ولا يتألم عندما يحكم بها ويتحاكم إليها.
في البداية نحن الآن أصبحت لدينا نغمة إسلامية، يقول لك: يا أخي التدرج والتدرج والتدرج، وهذا كلام قد يكون له نصيب من الصحة، لكن بالله عليكم الكفار عندما سنحت لهم الفرصة هل تدرجوا؟ لا، بل في سنوات قليلة في قطر مثل مصر ينقل من حكم الشريعة الإسلامية إلى الحكم بالقوانين الوضعية.
من الذي يضع القوانين؟ يضعها الكفار بأيديهم؛ لأنهم لم يكن لديهم رجال فقهاء بالقانون الفرنسي مثلما أصبح في أيامنا هذه، فكان أول قانون وضعه مانوري أفغانسي، وهو محام كان موجوداً في مصر، ولا يعرف اللغة العربية، وكما يقول سنهوري وغيره: رجال القانون المصريون مسخوا القانون الفرنسي، يعني: لم يتركوه على ما هو عليه، ثم بعدما وضع المحامي القانون لمصر ترجم، وكتب على النسخة العربية بعد الترجمة على أنه النسخة الأصلية، انظر إلى الضحك على العقول! فهم وضعوا القانون الفرنسي وترجموه، وبعدما ترجموه إلى العربية كتبوا على النسخة العربية: هذه هي النسخة الأصلية، والنسخة الفرنسية هي المترجمة، واللغة العربية هي الأصل، وهذا كذب.
وهذا أيضاً حدث في القانون العراقي الجنائي، فقد كان مكتوباً باللغة الإنجليزية ثم ترجم إلى العربية، وكتب على النسخة المترجمة أنها هي الأصل! وهذا كذب ودجل يصنع كلما غيرت هذه القوانين وبدلت.
وفي سنة 1883م أتى إيطالي اسمه مرندو فجلب قانون المحاكم المختلطة بعد أن ظهرت عيوب القانون الفرنسي، وزاد الإجرام، وزادت الفضائع والزنا والفساد، فبدءوا يفكرون في التغيير، وكلما كان يفكر في التغيير يؤتى بلجان كافرة لا تفعل سوى أن تعيدنا مرة أخرى إلى القوانين التي يحكم بها في أوروبا.
أقرأ عليكم بعض أسماء الذين قادوا حركة التغيير القانوني حتى نعرف حجم المصيبة التي أصابت هذه الأمة، وقد أرادوا أن يجعلوا القانون متقارب مع الأوضاع في مصر، وشكل مجلس الوزراء المصري في ذلك الوقت لجنة لتعديل القانون مكونة من صليب سامي باشا ومسولينان ديبلهون، وهو ليس مصرياً وحسب، ولكنه لا يعرف اللغة العربية، ومستر مري جريهان، ومسيو لنناد ديفي، ومسيو ألفرد وصبولي، هذه لجنة تعديل القانون للأمة المصرية! ثم غيرت هذه اللجنة بلجنة أخرى فيها نفس الأسماء وأسماء أخرى كلهم على نفس النمط.
وفي سنة (1938م) أسندوا وضع القوانين لاثنين: واحد من كبار رجال القانون في فرنسا اسمه: جانبير، والسنهوري، وقد اجتهد في وضع هذا القانون فظل في إعداده منذ سنة 37 إلى سنة 38، وهذا هو القانون الذي نفذ في سنة (1949م).
وكان من شروط ألا تحتل الدولة الأوروبية تركيا في معاهدة (كلنتن) في سنة (1923م): أن تلغى الشريعة الإسلامية! وفي سنة (1936م)، جرت معاهدة بين مصر والدول أصحاب الامتيازات لإلغاء المحاكم الشرعية، والمحاكم المختلطة، وتوحيد القضاء المصري، وتم ذلك سنة (1946م)، وكان من شروط المعاهدة: ألا تعود مصر لأحكام الشريعة الإسلامية، وأن تأخذ بالقوانين الأوروبية! والدكتور السنهوري شرح القانون المصري في كتاب سماه: الوسيط، وهو في مجلدات ضخمة كثيرة، ويقول: إنه أخذ هذا القانون من عشرين قانوناً، ولم يأخذ من أحكام الشريعة إلا الشيء القليل، بل يقول في مقدمة الكتاب: إن هذا القانون مستقل، ولا يجوز أن يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، مع أن كثيراً من الناس يحسن الظن بالدكتور السنهوري، والحقيقة أن هذا الرجل من أخطر الناس الذين أفسدوا في هذا العصر إفساداً ليس له حدود، وكان حريصاً على أن يغير الأحكام الموجودة في كل بلد إسلامي، فهو الذي وضع القانون العراقي، وخلط فيه بين أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية.
وفي سنة (1956م) عندما استقلت ليبيا كما استقلت كثير من الدول العربية ظاهراً أول عمل عملوه أن أحضروا الدكتور السنهوري إلى ليبيا، وبسرعة البرق وبدون تروي نقل القوانين المصرية التي وضعها في مصر لليبيا، بل من السرعة والعجلة نقل أحكاماً بنصها تتعلق بطمي النيل ووضعها في القانون الليبي! وأحكاماً تتعلق بمحافظة القاهرة بنصها ووضعت في القانون الليبي! وأشياء أخرى مضحكة.
وفي سوريا عندما حصل انقلاب حسني الزعيم فأول عمل قاموا به هو تغيير الأحكام الشرعية، فكان الناس في عجلة، فإذا وصلوا إلى الحكم في الديار الإسلامية فأول قضية كانوا يحرصون عليها هي أن تغير البقية الباقية من ديننا! وفي سنة (1923م) أرادوا أن يغيروا قانون الأحوال الشخصية، فقامت ثورة في مصر، ثم غيرت بعضها حكومة الثورة في الخمسينات بدون أن يقيموا عليها ثورة، وألغت البقية الباقية من الأمور الشرعية، وبعض الأحكام الشرعية كانت ولا تزال موجودة في الأحوال الشخصية، لكن ألغي الاسم وأزيل كل شيء اسمه محاكم شرعية.