إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فما انتدبت إلى الحديث في أي موضوع من الموضوعات إلا وأحسست أن من حق الذين ينتدبونني ويستمعون إلي أن أعطي الموضوع حقه، فأنا أعلم كم من الوقت والجهد يبذله الذين يحضرون لمثل هذه المؤتمرات والمحاضرات، وأعلم أن وقت الذين يحضرون هذه المحاضرات ثمين، فالوقت هو الحياة، وقد ازداد إحساسي بثقل المسئولية في هذا الموضوع الذي سأحاضر فيه، لأنه من أخطر الموضوعات، فالعقيدة هي الأساس التي تقوم عليها الأديان والمذاهب والمبادئ، وقد قيل قديماً: إن الإنسان أسير أفكاره ومعتقداته، ولا زالت عقائد البشر هي التي تسيرهم، ومن خلالها ينظرون إلى الوجود والحياة والمجتمعات الإنسانية، وعلى أساسها يصيغون الأنظمة والقوانين ويضعون القواعد والقيم والموازين، ولم يزل المستبدون والطغاة يتلاعبون بعقائد الناس ليتيسر لهم السيطرة عليهم.
وقد كتبت في موضوع العقيدة عدة مؤلفات، إلا أن خطورة الموضوع الذي أتناوله فرضتْ علي أن أعود إلى التفصيل فيه مرة أخرى، ونعود للنظر في التراث العقائدي من مصادره، ولقد نظرت في هذا التراث بنظرتين: نظرة في التراث الإنساني، ونظرة في التراث الإسلامي، وقد عشت مع المؤلفات التي تعرضت للعقيدة في هذين التراثين وقتاً ليس بالقصير، ولقد رأيت وأنا أجول بنظري وفكري في كتب التراث وكأني رجل يقف فوق قمة جبل على شاطئ بحر لجي مخيف، فكنت أتساءل وأنا أنظر في عقائد أهل الملل والنحل في القديم والحديث: كيف نشأت وتفرعت! ثم كيف تلاشت وفنيت! وأتخيل أنني ذلك الرجل الذي يشاهد أمواج البحر فإذا هي لا تحصى كثرة، فتنشأ ثم تتلاشى، وتتعارض وتتصادم، وهي في ذلك كله لا تتوقف لحظة، ثم يحدث أن البحر قد يهدأ في بعض الأحيان فتكون الأمواج هادئة، وقد يثور فإذا بالأمواج كالجبال.
إنني لا أبالغ في الوصف، ومن طالع ما كتبه الكاتبون في تاريخ العقائد، وما كتبوه في تاريخ الفكر الإنساني، وما كتبوه في الملل والنحل يعلم صدق ما أقوله.