Q كثير من المسلمين يقولون: إن الإسلام دين شامل وكامل، ولكن مسألة الشمولية أمر قد يحتاج إلى إلقاء مزيد من الضوء عليها، فما هو مفهومكم لهذه الشمولية؟
صلى الله عليه وسلم أولاً: أريد أن أنفي مفهوماً خاطئاً قد يظن بالإسلام، فعندما نقول: الواقعية، خاصة عندما نقرن هذا بالأدب الواقعي الذي يهبط بالناس إلى مستوى الحضيض ولا يرتفع بهم إلى الآفاق وإلى القمم، فليس هذا هو المراد بالواقعية، وإنما هي: أن الإسلام يعالج الإنسان من حيث هو إنسان فيه الصفاء والنقاء، وفيه الدخن والزيغ والانحراف، فيعالج نفسه ويسمو بروحه، فإذا ما تعثر فلا يتركه في الوحل، وإنما يأخذ بيده، ويقوده خطوة خطوة، ويفتح له باب الأمل، وهذا هو المراد بالواقعية، وليس المراد بها المصطلح العام الشائع على ألسنة الناس.
أما بالنسبة للشمولية التي تقترن دائماً بالكمال في هذا الدين، فالإسلام دين الله تبارك وتعالى، أنزله ليحكم الحياة في كل الأزمنة وكل الأمكنة، وجعله الله تبارك وتعالى كاملاً لا يحتاج إلى شريعة سابقة، فهو لا يحتاج إلى الإنجيل أو التوراة، بل ولا يحتاج إلى شريعة لاحقة.
ويتبدى هذا الشمول من أمور كثيرة، منها: أن الإسلام يعنى بالإنسان في كل أطوار حياته، سواء كان طفلاً أو شاباً أو شيخاً.
بل إنه يعنى بالإنسان قبل أن يوجد، فيطالب الرجل أن يختار الزوجة الصالحة التي سيكون بطنها وعاءً لابنه، وسيرضع حليبها، ويتربى على يديها.
ويعنى بالإنسان بعد أن تخرج روحه، فهناك هدي للإسلام في الموتى: ماذا نفعل بهم، وكيف نتصرف معهم، وكيف نصلي عليهم، وكيف ندفنهم، وكيف نقسم مواريثهم، فكل هذا من شمول الإسلام.
من جانب آخر: فالإسلام يعنى بالإنسان من حيث روحه، ومن حيث جسده، لا كما تفعل المادية فهي تعنى بالجسد فقط دون الروح، فيقع الناس في البلاء الذي نشاهده في هذه الأيام، ولا يقف عند العناية بالروح فقط كما تفعل البوذية والنصرانية المغرقة في الرهبانية، إنما الإنسان روح وجسد، والإسلام وضع من التشريعات ما يكفل الصلاح لجسد الإنسان ولروحه.
أمر ثالث: وهو أن الأدلة على الشمولية والكمال كثيرة جداً، فهذا الدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى يحوي جميع القوانين التي تحتاج إليها الأمة، فلو نظرت إلى حقيقة القوانين الوضعية، مثل القانون العام، والقانون الخاص، ثم أقسام القانون العام وأقسام القانون الخاص كما يعرفها رجال القانون؛ فستجد أن الأحكام التي جاء بها الإسلام أحكاماً تغطي كل جوانب التشريع، ولذلك استخلص علماؤنا هذه القوانين في مؤلفات، فلو رفعنا العناوين القديمة ووضعنا عليها الاصطلاحات الجديدة في القانون فسنجد أن الكتاب هو الكتاب، فعندما تنظر مثلاً إلى كتب السير التي تبين القانون الدولي عند المسلمين في السلم وفي الحرب، أو ما يسمى اليوم بالقانون الدولي؛ لأن في القديم كان يسمى بالسير، وقد ألفت فيه عدة مؤلفات، فارفع كلمة (السير) وضع كلمة (القانون الدولي) وستجد أنهما لا يختلفان عن بعضهما.
كذلك في الأحوال الشخصية، وفي القانون المدني، وفي القانون الجنائي، فكل هذه القوانين موجودة عندنا وإن كانت هذه المصطلحات والأسماء الجديدة لم يستعملها علماؤنا؛ لأن القضاء في الماضي كان قضاءً كلياً، فالقاضي أو الحاكم هو الذي يفصل في كل المشكلات والمنازعات، وهذا من شمولية الإسلام وكماله.