إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فقد ورد في بعض الأحاديث: (أن رجلاً مر بالرسول صلى الله عليه وسلم فسأل صحابياً عنده: ما تقول في هذا؟ -وكان رجلاً وجيهاً في قومه، وصاحب مال، وله مكانة في نفوس أهل الدنيا- فقال: هذا حري إن خطب أن يزوج، وإن شفع أن يشفع، ثم مر رجل آخر فقير فسأله عنه فقال: هذا حري إن خطب ألا يزوج، وإن شفع ألا يشفع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل ذاك) أو كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يضع في هذا الحديث ميزاناً لأهل الدنيا يختلف عن الموازين التي يقيسون بها، ويزنون بها، فمن موازين أهل الدنيا مثلاً: أن هذا أفضل من ذاك؛ لأنه من أسرة معروفة مشهورة؛ ولأنه صاحب مال وسلطان؛ أو لأنه يملك الدنيا؛ ولأنه في أهله وفي عشيرته وفي أهل بلده آمر مطاع، فهذا ميزان ومكيال يقيس به بعض الناس، لكن هناك موازين شرعية يتفاضل بها العباد والناس، فهذا صاحب دين، وهذا صاحب الصلاة، وهذا قارئ للقرآن، وهذا من الذين يقومون بالليل، وهذا من الذين يقولون الحق ولو كان مراً، وهذا من الدعاة إلى الله تبارك وتعالى، فهذه موازين أخرى يتفاضل بها الناس إذا كانوا مسلمين.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقرر للناس أن يكونوا مستقيمين مع موازين الإسلام.
فهذه قضية من أخطر القضايا في شريعتنا وفي ديننا، وهي أن يقيس المسلم الأمور بالمقاييس والموازين الشرعية، فالأحكام التي يصدرها الإنسان تؤثر على سلوكه وأفعاله وتوجهاته تأثيراً كبيراً، وليس تأثيراً سهلاً.
ولذلك ينبغي للمسلم وهو في سلم الأولويات وفي سلم القيم والموازين أن يتنبه كثيراً وهو يلقي الأحكام، حتى في الأعمال: فهذا فاضل وهذا أفضل، وحتى في الأشخاص: فهذا حسن وهذا قبيح.