الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.
إن الضعف الذي تعيشه الأمة، والقوة التي يعيشها أعداؤها؛ سبب مآسي كثيرة في ديار المسلمين وأوجاعاً وآلاماً، ففي أفغانستان أكثر من ثلاثمائة مليون لاجئ يعيشون في باكستان، وعشرات الألوف من المعوقين، وبيوت خربت، ومدن هدمت، وتحولت الأمة إلى أمة مقاتلة تقدم في كل يوم ضحايا.
وفي الهند في كل يوم تثور مآس للمسلمين من قبل عباد الأبقار، وفي الحبشة وفي غيرها.
ومن أعظم المآسي المعاصرة ما فعله اليهود بالمسلمين في بلدنا القريب منا، في فلسطين، إنه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الأمل إذا لم يستطع المسلمون أن يحموا ديارهم، وأن يحموا بلادهم وإخوانهم، أن يمدوا لهم يد العون، كي لا ينشأ هؤلاء الناس حاقدين حتى على المسلمين، ماذا تنتظرون من إنسان لا يجد لقمة الطعام ولا يجد اللباس والمسكن؟! كيف يكون تصوره وهو يرى البذخ في كثير من العالم الإسلامي؟ أقوام يموتون شبعاً، وأقوام يموتون جوعاً، فماذا تنتظرون من شباب يرون هذه المناظر بأعينهم في أنفسهم وفي غيرهم؟ في كل يوم نسمع الأخبار أن العدو يقصف المخيمات المستضعفة، ورجال يتسمون بالإسلام يضربون هؤلاء المساكين، والصوت العربي والإسلامي ساكن وخامد، وما يسمونه بالصوت العالمي لا يتحرك ولا يتكلم، وأصبح الحمى مباحاً لليهود، لا أحد يتكلم ولا يتظاهر ولا يحتج، حتى الدموع جفت في المآقي، فلا أحد يبكي على المساكين الذين يعذبون في كل يوم.
إذا قصرت الحكومات فأين شعوبها؟ وعبر التاريخ عندما كان الحكام يختلفون تبقى الشعوب فيها نبض من حياة، فتحس بآلام إخوانها، وتعينهم وتقدم لهم الخير، وأنا لا أنكر أن في الأمة رجالاً قدموا الكثير ولا يزالون يقدمون، ولكن هذه القضية ليست قضية آنية، بل هي قضية دائمة مستمرة، فالمسلمون كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
كثير من الذين يحضرون الصلاة يعرفون أحوال الذين شردوا وابتلوا بفعل عدونا الأكبر وهم اليهود، يعرفون بيوتهم ومساكنهم وآلامهم، يعرفون جراحهم ومواردهم المالية يعرفون المآسي، ويمكن لأي إنسان منكم أن يتجول في ربوع الوطن العربي، ليذهب إلى الأردن أو إلى سوريا، أو إلى لبنان حتى يرى بأم عينيه المآسي والأوجاع والآلام.
قامت في الكويت لجان لمعاونة المسلمين في أفغانستان، وهذا عمل طيب، وقامت لجنة لإغاثة المسلمين في أفريقيا وهذا عمل طيب، وأخيراً أفاق بعض المسلمين فأقاموا لجنة لمناصرة الشعب الفلسطيني واللبناني.
هذه القضية نسيها المسلمون، وكان الواجب أن تكون هذه القضية في المقدمة؛ لأن قضيتها قديمة، ولأن المعاناة قائمة منذ عشرات السنين، وأقل ما يمكن أن تشبع البطون الجائعة، ويساعد المرضى المحتاجون، فهذا أقل واجب على المسلمين، وأن يمدوا يد العون لمن هم إخوانهم في الدين، ويضمهم اسم الإسلام، واسم العروبة، واسم الأخوة.
وبعض هؤلاء الناس استوعبتهم الدول العربية ووجدوا لهم مجالاً للعمل، وأصبحوا أغنياء، وكثير منهم نسوا حياتهم وبلادهم وإخوانهم ومآسيهم، وكثير منهم نرى صورهم في الحفلات، وفي الفنادق، وفي البذخ، وأنا لا أنكر وجود بعض الناس من هذا الصنف، ولكن هذا صنف يعيش على هامش الحياة، لا تهمه إلا نفسه، وإن تشدق بالوطنية والثورية والسلام، ولكن واقعه يكذب ما يقول، لكن بقي كثير من هؤلاء بحاجة إلى العون، وكثير من هؤلاء يحملون القضية في قلوبهم لا على أنها قضية وطن، وإنما على أنها قضية دين، وقضية إسلام وقضية صراع بين الخير والشر.
إذا انتهى الشعب الفلسطيني ولم يبق شعب فلسطيني أتضيع القضية؟ أيرضى المسلمون بأن تضيع فلسطين وأن يضيع مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أيرضون أن تضيع الأرض المباركة من أيدي المسلمين؟ لا يرضون بذلك، فهذه القضية متصلة بالعقيدة.
لقد حدثني بعض الناس أنه عندما سقطت فلسطين في سنة 1948م ثم في سنة 1967م، وفي حادثة إحراق المسجد الأقصى؛ كان أول من يثور هم الشعب الباكستاني والإندونيسي، مع أنه ليس لهم صلة بالعربية، لكن عقيدتهم هي التي تربطهم بالمسجد الأقصى، إنهم يقرءون في كتاب الله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:1]، ويذكرون فتوحات المسلمين، ومسير عمر بن الخطاب إلى فلسطين، والشهداء الذين سقطوا من الصحابة وغيرهم على أرض فلسطين وحول أسوار القدس.
هذه قضيتكم، وإذا نسيها أهلها -على فرض ذلك- فأنتم مسئولون عنها، فلسطيني أو عربي أو مسلم، وليست بقضية الصين وروسيا وأمريكا، هذه قضيتنا، وعندما تحولت قضيتنا إلى قضية شرق أوسط، وقضية العرب، وقضية دولية؛ ضاعت قضية المسلمين، والذين يعيشون في المآسي من الفلسطينيين هم إخوانكم سواء كنتم فلسطينيين أو عرباً أو مسلمين، تلك قضيتكم، وغداً أنتم مسئولون عنها عندما تقفون بين يدي الله تبارك وتعالى.
هذا العمل الذي قامت به الكويت وهو لجنة المناصرة جزء يسير مما كان ينبغي أن يعمله المسلمون من قبل، فكيف يتركون إخوانهم للكفار يغيثونهم، إن وكالة غوث اللاجئين تتصدق عليهم مما يلبس الفرنسي والبريطاني، وأموال المسلمين أنهار تجري في بلاد العالم لا ندري كيف نصرفها والناس محتاجون للباس وللطعام! هذه قضيتكم أنتم، والذين قاموا على هذا العمل الخير كان ينبغي أن يكونوا أسبق من ذلك، وعملهم وإن تأخر عن وقته فينبغي أن يكون المسلمون عوناً لهم، وإذا لم يستطيعوا أن يحاربوا وأن يقاتلوا فلا أقل من أن يعينوا اليتامى والمعوقين والمحتاجين والجائعين والأرامل، وأعدادهم لا تحصى في مختلف بقاع العالم العربي.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع عليم.