سأل أحد الصحابة وهو الحارث بن هشام الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أحياناً يأتي مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه)، وهذا يكون عليه شديداً؛ لأن الملك يتصل بالبشر بصفته الملائكية، قال: (فينفصم عني -يذهب الوحي- وقد وعيت عنه) ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان في الليلة الشاتية شديدة البرد يعرق ويحمر وجهه، وهذا دليل على أن الذي كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ليس جناً ولا شيطاناً، فإن الجن عندما يتلبس بالإنسان يخف وزنه، ويصفر لونه، بينما اتصال الملك نماء وقوة، وحيوية، واحمرار في الوجه، بخلاف الذين تتلبس بهم الشياطين.
قال: (وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول)، ولا يتصل به، بل يتحول إلى الطبيعة البشرية، أو إلى شيء يشابه الطبيعة البشرية، وكما قلنا: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتصل به جبريل بطبيعته الملائكية، لكن لا يراه على صورته الملائكية، إنما الاتصال بطريقة لا نعرف ولا ندري كيف ذلك، أما الرؤية التي رأى الرسول صلى الله عليه وسلم فيها جبريل على صورته فكانت مرتين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري: (بينما أنا أمشي قرب مكة إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت: زملوني)، والمرة الثانية عندما عرج به إلى السماء، وهاتان المرتان هما المذكورتان في سورة النجم، قال تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5] أي: جبريل، {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا} [النجم:6 - 8]، أي اقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم {فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:8 - 9]، ما بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا قوسان، قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:10]، فأوحى جبريل إلى عبد الله الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى، قال تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:11 - 13]، أين؟ قال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:14 - 17].
وهذا هو الصحيح لا كما يقول بعض الناس: إن هذه الرؤية رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه، وهذا خطأ كبير، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ربه رؤية عين ببصره.