فالقضايا الثلاث التي رضيها الله تبارك وتعالى تمثل في منهج الإسلام أصولاً يقوم عليها المجتمع الإسلامي، ووحدة المسلمين، وذلك عند وحدة المقصد والعقيدة، بأن يعبدوا رباً واحداً، وأن يخلصوا دينهم له تبارك وتعالى، وهذه كما ألمحت في أكثر من خطبة هي القضية الأساسية، لا في هذا الدين الذي أنزل إلينا، بل عند جميع الرسل الذين بعثهم الله تبارك وتعالى.
فالله تبارك وتعالى يريد من عباده أن يحققوا الهدف الذي خلقوا من أجله، والله تبارك وتعالى خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، ثم بين لنا كيف نعبده، فأرسل لنا رسلاً، وأنزل علينا كتباً، فضل الناس عن هذه الحقيقة والقضية الكبرى، فعبدوا عبر التاريخ الأصنام والأوثان، وعبدوا الشمس، والقمر، والنجوم والجبال، والأشجار، والأحجار، والرجال والنساء، وما تركوا شيئاً إلا عبدوه، ولا تزال المسيرة إلى الآن، فملايين من البشر يعبدون غير الله تبارك وتعالى، بل أكثر الناس -كما أخبر الله تبارك وتعالى- ليسوا بمؤمنين، وإن زعموا أنهم مؤمنون، فتُعبد من دون الله آلهة شتى، ولا يزال بوذا يعبده مئات الملايين، والشيوعيون وإن زعموا أنهم لا يؤمنون بإله، ولكن واقع الأمر أنهم يعبدون مؤسس المذهب، فيطيعونه، ويحنون رءوسهم عندما يمرون أمام جثته في الميدان الأحمر في موسكو وهذه من صور العبادة.
والنصارى -وهم مئات الملايين- يعبدون عيسى من دون الله، وهو الذي جاء ليقول للناس: أنا عبد الله، أنا نبي الله، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، ومن المسلمين من سار نفس المسيرة، وهو يزعم أنه يشهد أن لا إله إلا الله، ولكنه يعبد القبور والأولياء والصالحين، ويدعو من دون الله رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ويدعو من دون الله علياً والحسن والحسين، فأقوام ممن يدعون الإسلام يفعلون ذلك، وما أولئك بالمؤمنين.
إن القضية الكبرى أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لنا أن نعبده ولا نشرك به شيئاً)، وقال الله تبارك وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36]، وهذا ميثاق أخذه الله تبارك وتعالى على بني إسرائيل، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:83]، وكل رسول يبعث كان يقول للناس: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
فالقضية مهمة، وهي: أن يكون دينك لله تبارك وتعالى، وأن تقصده عز وجل بإرادتك وحبك ورجائك وخوفك، ورغبتك، ورهبتك، وأن تصلي له تبارك وتعالى لا لغيره، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فتستعين بالله، وإذا دعوت فيكون دعاؤك وطلبك من الله تبارك وتعالى، ولا تدع معه أحداً، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18].
فالتوحيد لب الدين وأساسه، والذي لا يحققه فليس له من الإسلام نصيب، وليس من أهل الجنة، فلا يجوز النار ويدخل الجنة إلا موحد، قد أخلص دينه لله، ووحده تبارك وتعالى.