هذا النمط من البشر ماذا يفعل في تاريخ البشر؟ عندما يقوم بناء الإنسان على هذا الإيمان، أتبقى مشكلات أخلاقية؟ أيبقى ظلم العباد للعباد، وتجبر العباد على العباد؟ أتبقى مشكلات اقتصادية؟ ألا يرحم هذا الصنف من الناس إخوانه، ويجود بماله وقد جاد قبل ذلك بنفسه؟ هذا هو الصنف الذي بناه محمد صلى الله عليه وسلم تمثل في الرعيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم، فكانوا بشراً لا كالبشر، ورجالاً لا كالرجال، ومجتمعاً ليس كالمجتمعات، كانوا مجتمعاً آخر يخالف ما عهده الناس الذين قاموا على قطعة من الأرض فجعلوها مبدأ، أو قاموا على قوم، أو قاموا على مبدأ ضال، أو قاموا على ألوهية لأصنام، يظلم الناس بعضهم بعضاً، ويسفك بعضهم دم بعض، فقطعت الأواصر بينهم، وارتفعت الرحمة من نفوسهم، هذا هو المجتمع الذي تتربى فيه الفضائل، وتسود فيه القيم والأخلاق، إنه مجتمع الإيمان.
لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاء لتحرير الأرض من الفرس والروم، ولم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم لمعالجة المشكلات التي أصبحت كالسرطان في أحشاء الدنيا كلها من العرب وغيرهم، ولكنه دعا أولاً إلى المفتاح الكبير الذي يفتح القلوب، الذي يحول كيان الإنسان، الذي يغير ولاءه، الذي يرفعه إلى القمة، ويعرفه بأصله، ويعرفه بهدفه، ويعرفه بغايته، ويعرفه لماذا جاء إلى هذا الكون، ويعرفه صلته بخالق هذا الكون، ثم يعرفه بدوره الحقيقي في الحياة؛ عند ذلك تنحل المشكلات، وتتساقط القيود، ويصبح الإنسان سائراً على الصراط المستقيم، فما أسهل أن تحل بعد ذلك المشكلات! وما أسهل أن يترك الإنسان ما ألفه من عادات: شرب للخمر، ولعب بالميسر، وارتكاب للزنا والفجور، وأكل للحرام، وظلم للناس، وغير ذلك من المشكلات التي تفني الأجيال، ولا يستطيع المصلحون أن ينهوا هذه المشكلات، لكن بهذه الدعوة يمكن حل كثير من هذه المشكلات، وإن بقي لها بقايا فإنها لا تؤثر في المسيرة التي تسعد بها البشرية.
هذا هو المفتاح الكبير، وهذا هو السر الكبير، وهو بدهي عند المسلمين، ولكن المسلمين يغفلون عنه! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.