وقد كانت الفئة التي تتلى عليها هذه الآيات مطلع الدعوة في مكة فئة مستضعفة، تعذب وتجلد، وتقتل بعض النساء، ويهرب بعض الرجال مهاجراً إلى الحبشة، ويحاصرون في شعب أبي طالب ثلاث سنين، حتى أكلوا أوراق الأشجار، والجلود والميتة، فالله تعالى يتلو عليهم هذه الآيات؛ ليحقق سبحانه وتعالى مشيئته بالتمكين لهم؛ وذلك بأن هيأ لهم بلدة تقبلهم وتؤويهم وتنصرهم، وتتكون الدولة وتتكون الأمة، فيحكمون الجزيرة العربية، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً، وينطلقون إلى الدول الكبرى في عصرهم كفارس والروم، والتي تمثل في عصرنا روسيا وأمريكا، فيزعزعوا بنيانها، ويجتاح المسلمون المعمورة في ذلك الوقت، والمسلمون اليوم -وهم تواقون لرفع الراية من جديد- يجب عليهم أن يقرءوا القرآن ويعلموا أن لله قدراً، وأن الباطل لا يمكن أن يستمر دائماً؛ لأنه يخالف سنة الله سبحانه وتعالى؛ ويخالف الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولكن يريد منا أن نعمل بالأسباب؛ ليحقق الله سبحانه وتعالى بنا الخير، ويحمل هذا الخير الرجال، ويأتي من بعدهم ليواصلوا هذه المسيرة.
فإنما أنزل الله هذا النور ليستمر وليبقى إلى أن تقوم الساعة، وقد يضعف المسلمون حيناً وقد يقعون حيناً، ولكن الحق باق دائم إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.