العظات والعبر المستفادة من قصة موسى وبني إسرائيل

ونحن بحاجة إلى أن نتدبر ما يقصه الله علينا فهو يقصه لنا، وهذه القصص نحن بحاجة إليها اليوم حاجة شديدة جداً، فينبغي أن نفتح أبصارنا وبصائرنا لها، ((لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))، ما القضية؟ ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ))، أي: أن فرعون الطاغية علا في الأرض وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، وقال: ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي))، واليوم ملوك الأرض يستعلون ويستكبرون، ولا يعترفون بتشريع الله ولا بدينه، بل ويقصون شريعة الله من الأرض، ويعذبون المؤمنين في كل مكان، فقد رفع الشيطان في وسطهم رايته.

قوله: ((وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ)) أي: البقية الباقية من ورثة إبراهيم وإسحاق ويوسف ويعقوب، فهي الطائفة التي كانت بقية الخير في الأرض، فيها شر ولكنها بقية الخير، استعبدها فرعون، وكان قد علم من أفواه بني إسرائيل بما تركه الأنبياء من قبل أنه سيولد في بني إسرائيل ولد ثم يبعث، ويكون هلاك فرعون على يديه، فأراد أن يستبق الأحداث، وأن يقضي على سلطانهم من قبل أن يوجدوا، فهو يضعفهم في أنفسهم؛ ثم يريد ألا يولد هذا الذي سيهلك ملكه، فـ ((َجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ))، فإن كان المولود أنثى أبقوها حية، وإن كان ذكراً ذبحوه بالشفرة كما تذبح الغنمة.

قوله: ((إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ))، لكن إرادة الله سبحانه وتعالى فوق كل إرادة، {ونريد أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} [القصص:5]، والإمامة: تعني: القيادة، أي: قيادة البشرية إلى الخير.

قوله: ((وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)) أي: يرثون الأرض التي بارك الله فيها.

قوله: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} -أي: بقيام دولة-.

قوله: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:6]، فالله يريد أن يذل هؤلاء الطغاة، ويبين لهم ضعفهم.

ثم تبدأ القصة: المنقذ لا يزال في بطن أمه جنيناً، ويولد في وقت المحنة، ولكن الله يريد أن يجعله منقذاً، فلننظر كيف يجري قدر الله، وكيف يجري تدبيره سبحانه وتعالى؟! لقد أوحى الله إلى أمه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص:7] ولكن الجواسيس (الطابور الخامس) سيكتشفون أن هناك وليداً.

قوله: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي} [القصص:7]، فإنَّّ تدبير الله غير تدبير البشر، فلو كان أحدهم يخاف على ابنه فسيضعه في صندوق ويحفظه في حجرة ويقفل عليه، أو في زاوية من الزوايا، لكن الله قضى أنْ يرمى في البحر، وهو النيل، فإن هذا الماء يأتمر بأمر الله سبحانه وتعالى والأرض كذلك، فتدبير الله غير تدبير العباد.

قوله: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} [القصص:7] أي: سنرجعه إليكِ وهو طفل صغير، وسنجعله رسولاً: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015