الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.
وبعد: فإنه ينبغي أن يكون شعار المسلم دائماً وأبداً: استقامة وعبودية لله تبارك وتعالى حتى الموت، هذا شعار ينبغي أن يرفعه المسلم، وأن يأخذ به على نفسه، وقد أدب الله به صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد جاهد الأولون من المهاجرين والأنصار جهاداً مشكوراً، وقدموا لأنفسهم ولدينهم خيراً كثيراً، وقال من الأنصار من قال عندما أعز الله دينه: الآن نستطيع أن نستثمر أموالنا، وأن نعود إلى مزارعنا بعد أن نصر الله دينه وأعز كلمته؛ فنحن أهملنا بساتيننا وتجاراتنا، فالآن نستطيع أن نرجع إليها، فننمي أموالنا، ونحفظ أشجارنا وزروعنا وثمارنا، فقال رب العزة منكراً على من فكر هذا التفكير: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] قال أبو أيوب الأنصاري: فكانت التهلكة في ترك الجهاد.
يقول أبو أيوب الأنصاري هذا الكلام للمسلمين على أسوار القسطنطينية، وهو شيخ كبير جاوز السبعين من العمر، لحيته بيضاء، وشعره أشيب، ومع ذلك يمسك بالسيف هناك في أسوار القسطنطينية ويعلم المسلمين هذا الدرس: وهو أن هذه الآية نزلت فيهم معشر الأنصار عندما أرادوا أن يتجهوا إلى تثمير أموالهم، وحفظ بساتينهم، فنبههم الله تبارك وتعالى وقال لهم: هذه هي التهلكة؛ لأنكم بذلك تتركون لعدوكم مجالاً أن ينتصر عليكم ويغلبكم، وأن يقهركم ويذلكم، هذا بالإضافة إلى الخير العميم الذي سيفوتكم، والجزاء الكبير من وراء ترك الجهاد.
فقه أبو أيوب وصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الدرس فحملوا هذا الشعار: عبودية استقامة جهاد حتى الموت.
ومات هناك وتوفي على أسوار القسطنطينية، وتفرقت جثث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شتى بقاع الأرض: في بلاد الشام، في مصر، في جنبات أفريقيا، في الأندلس، فإلى كل مكان وصل المسلمون بغزواتهم، وترك الصحابة بصماتهم، ولا تزال قبورهم في شتى بقاع الأرض.
فهو درس فقهه الصحابة بعد أن بينه الله تبارك وتعالى لهم، وينبغي أن يحمل المسلمون هذا الشعار إلى أن يلقوا الله تبارك وتعالى.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.