قد يقول قائل: أنا لا أستطيع أن أقرر عن نفسي أنني وصلت إلى الحد الذي يلزمني أن أفتي ولم أتجاوز الذي لا يجوز لي أن أفتي، فالمسألة تحتاج إلى وضوح، وسئل بعض الكبار لماذا لا تتصدى لتعليم طلاب العلم؟ فقال: إن النصاب لم يكتمل، والأمة كلها تشهد له أن نصابه قد زاد، فهل يقال إن الإنسان متروك له هذا الأمر وله أن يقول: أن أعرف بنفسي ما بلغت، وكثير منهم يقول مثل هذا الكلام من باب التواضع، وهضم النفس، من باب التواضع، وهضم النفس، لكن مثل هذا التواضع لا يعفيه من الوعيد الشديد الذي جاء بصدده العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوا للناس ما نزل إليهم، ولو تواضع، لا يعفيه هذا التواضع، إلا إذا قام بالأمر من يكفي، أما إذا تعين عليه فلا بد أن يساهم، لا بد أن يبين، لا بد أن يجيب، وأقول مثل هذه المواقف لا شك أنها فيها شيء من الخفاء والغموض، يعني قد يكون الإنسان تأهل بالفعل، لكن لا يدري عن نفسه، وقد يكون شديد الحذر، شديد الخوف على نفسه، من بلوغه الحد الذي يلزمه أن يتصدى لتعليم الناس وإفتائهم، ورفع الجهل عنهم، وبيان ما نزل إليهم، وبعضهم قد يجرؤ ظناً منه أنه قد وصل إلى الحد، ولا شك أن مثل هذا الأمر تكفي فيه الاستفاضة، تكفي فيه الاستفاضة، بالنسبة للشخص نفسه ولغيره أيضاً، لا يستفيض بين أهل العلم أن فلاناً قد بلغ مبلغاً يتعين عليه أن يعلم، يتعين عليه أن يدعو، يتعين عليه أن يقضي، يتعين عليه أن يفتي، إذا استفاض بين أهل العلم لا سيما الموثوقين منهم، فإنه حينئذ يكون نصابه قد بلغ، وذمته تبرأ بتصديه لهذه الأعمال.

أما إذا لم يستفض أمره وخفي أمره على الناس فهذا يوكل إليه، وحينئذ يعرف عن نفسه ما يعرف، لا سيما قبل أن يعرف، ومثله بالنسبة للعامي ومن يستفتيه، العامي ليست لديه أهلية الموازنة بين أهل العلم، هناك أمور ظاهرة إذا اتصف بها العالم فهو أهل لأن يستفتى،

وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015