شيء أو نصوص فيها إرهاص من مثل هذه التصرفات التي نعيشها، ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) يعني بعض الناس ممن يتصدى للفتوى قد يكون ممن أعطي بياناً، يمرر به كلامه على السذج، بحيث يتناقلونه ويتداولونه، والبيان من هذا النوع جاء فيه قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن من البيان لسحراً))، وهذا على سبيل الذم، وإن كان بعض أهل العلم يقول: إنه على سبيل المدح لكن السحر مذموم، ((إن من البيان لسحراً)) فمثل هؤلاء الذين يمررون هذه الأقوال ويتدخلون في أمور الدين، وفي قضايا الأمة العامة من غير اعتماد على نص من كتاب ولا سنة، وإذا تصدر للفتوى من لا علم له بالكتاب والسنة لا شك أنه سوف يضل بنفسه، ويضل غيره، وإذا كان من يحتاج إلى الكتاب والسنة من غير المختصين في العلم الشرعي من الأدباء أو من المؤرخين، تجد لهم، لبعضهم عناية فائقة بالنصوص، نصوص الوحيين، فإذا كان هذا في مؤرخ أو أديب، تجده، يرى أن معرفة النصوص حتم لازم لإتقان الفن الذي يريده، فابن الأثير مثلاً صاحب المثل السائر، يقول: إنه استعان على نشر أو على تحقيق ما يطمح إليه من الأدب الرفيع الذي يستحق أن يسمى أدباً، إنما هو بعد حفظه للقرآن، وبعد حفظه لثلاثة آلاف حديث، وصار يردد هذه الأحاديث على مدى عشر سنوات، يختمها في كل أسبوع، الأديب يحتاج إلى النصوص، حاجة ماسة، المؤرخ يحتاج إلى النصوص، وإلا فسوف يقع الخلط في كلامه، يعني فرق بين أن تقرأ في التاريخ لمفسر محدث كابن كثير، وبين أن تقرأ لمحلل لا يعتمد على النصوص كثيراً، فإذا كان هذا في جانب التاريخ والأدب، الحاجة داعية إلى العناية بنصوص الكتاب والسنة، فكيف بمن يتصدى لإقراء الناس، وتعليم الناس، وإفتاء الناس، وليست له عناية بالكتاب والسنة؟ ونرجو ألا يكون مثل هذا الكلام حجة علينا.
إذا عرفنا هذا فقد جاء الوعيد الشديد في حق من كتم العلم وفي حق من جرؤ على العلم، وقال فيه بغير مستند، ولا دليل، ولا برهان من الكتاب والسنة.