وإن أراد أن تكون قراءته للشروح سرداً وجرداً؛ لأن الفائدة من قراءة المطولات -مثل: شروح البخاري- تولد عند طالب العلم ملكة يستطيع بواسطتها أن يتعامل مع الأحاديث، لأنه ليس كل الأحاديث مشروحة، إذا سمعت حديث مباشرة ترجع إلى شرحه فترى كلام أهل العلم له، أنت في يوم من الأيام سوف تقف على حديث لم يشرح، وإذا نظرت في الشروح، وجردت على كل كتاب شرح أو أكثر من شرح، فإنك حينئذ تتولد لديك هذه الملكة، ويفتح عليك بعض الأمور التي لا توجد في هذه الكتب، وهذا مجرب، لكن قد يقول قائل: إذا بدأت بالبخاري، كيف أقرأ بفتح الباري؟ وكم يحتاج فتح الباري من المدة لكي أنتهي منه؟.
نقول: يا أخي فتح الباري، لا شك أن فيه صعوبة مثل: لحم الجمل بالنسبة للصبي، فيه وعورة بالنسبة لطالب العلم، نقول اقرأ قبله كما يقول أهل العلم: "الكوامخ والجوارش مشهيات"، اقرأ الكرماني مثلاً: الكرماني فيه طرائف وفيه لطائف تشد طالب العلم.
حقيقة من بدأ بهذا الكتاب لا يتمالك أن يتركه حتى ينهيه، ويقرأه بالطريقة التي ذكرناها عندما يقرأ تفسير القرطبي بالأقلام الأربعة بالطريقة السابقة.
فإذا قرأ الكرماني انفتحت نفسه للقراءة، وتعود على القراءة؛ لأن طالب العلم أول ما يبدأ بالقراءة، القراءة لاشك أنها تحتاج إلى معاناة وتحتاج إلى صبر، تحتاج إلى حبس نفس، فإذا قرأ يقرأ في أول الأمر في اليوم ساعة، ثم بعد من الغد النفس تجره وتسحبه إلى القراءة، لا سيما إذا بدأ بمثل هذا الكتاب، فإذا قرأ الكرماني فيه الطرائف، وفيه الغرائب، وفيه العجائب بالنسبة للرواة، وفيه استنباطات، فيه أشياء، وعليه ملاحظات وأوهام.
الذي يستشكله يضع عليه من الخطوط ما قدمناه سابقاً، ويراجع عليه ماذا قال ابن حجر: هل وافق الكرماني أو ما وافق؟