ومع ذلكم يقول: "لولا آية في كتاب الله ما حدثت عنه -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [(159) سورة البقرة] فالكتمان شأنه خطير، ((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) فالكتمان شأنه خطير، وأيضاً الإكثار من التحديث، وتحديث المرء بكل ما سمع، هذا أيضاً خطير، كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع؛ لأنه لا بد أن يقع في الكذب، فعلى الإنسان أن يتثبت عليه أن يتثبت ولا يسترسل، وعليه أيضاً إذا تعين عليه الجواب أن يجيب، وإذا تعين عليه التحديث أن يحدث، فلا استرسال وتساهل في شأن التحديث والفتوى، ولا إمساك ولا إحجام عند التعين، فأبو هريرة -رضي الله عنه- حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسبب الدعوة وبسبب طول ملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فرضي الله تعالى عنه وأرضاه، واشتد غضبه على من أبغضه وقلاه، ودعا النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن يحببه للناس، وأن يحبب الناس إليه، فصار -رضي الله عنه- من أحب الناس إلى الصحابة، ومع ذلكم يتهم أبو هريرة قديماً وحديثاً، وثبت عند أهل العلم بسند صحيح أن رجلاً تكلم في أبي هريرة، وقدح في أبي هريرة في مجلس فنزلت حية من سقف دار فلسعته فمات، يتهم أبو هريرة لماذا؟ لأنه إذا اتهم أبو هريرة وهو أحفظ الصحابة للسنة هدمت السنة؛ لأن العدو المغرض الذي يريد هدم الدين، والنيل منه، ومن أهله، ما يعمد إلى شخص ما يروي إلا شيء يسير؛ لأنه يتعبه ذلك؛ لأنه في مقابل أبي هريرة يحتاج إلى أن يقدح في ألف شخص، وإذا قدح في أبي هريرة هذا المغرض الذي يريد هدم الدين على حد زعمه يرتاح من كثير من السنة، ولذا كثر الكلام فيه -رضي الله عنه وأرضاه-، من قبل المفسدين المغرضين الذين يريدون هدم الدين والنيل منه.