عليه أن يصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-، وأن يسأله بصدق، وأن يحرص، وإذا حرص سوف يوفق إذا علم الله -جل وعلا- صدق النية، وصدق اللجوء إليه أعانه، وأن يفرغ نفسه لهذا الأمر، وأن يأخذ من القرآن بقدر ما تسعفه حافظته، لا يأتي متحمس يريد يحفظ جزء أو نصف جزء أو ربع جزء، لا إذا كان يعرف من نفسه أنه لا يستطيع، يحفظ آيتين ثلاث، والمجرب أن الحافظة تستجيب، الأصل فيها أنها غريزة؛ لكن منها قسم مكتسب يدرك بالتمرين، والحافظة لا شك أنها تزيد وتنقص، فإذا استعملت ونميت زادت؛ لأن من الغرائز ما هو ثابت ملكات، وهذا لا شك أن الناس يتفاوتون فيه، منه أيضاً ما هو مكتسب، وعامة أهل العلم يرون أن الحافظة في الصغر أقوى منها في الكبر، وهي تنقص تدريجياً كغيرها من القوى البدنية، والذي يقرره الماوردي في أدب الدنيا والدين أن الحافظة عند الكبير والصغير واحدة، لا تزيد ولا تنقص، واحدة عند الصغير ست سبع عشر سنوات وعند ستين سبعين سنة؛ لكن الذي يجعل الكبير ما يحفظ، التشتت، تشتت الذهن، لو أنجمع ذهن الكبير كما أنجمع ذهن الصغير لحفظ، ولذا على من أراد الحفظ أن يجمع نفسه، وأن ينزوي في مكان للحفظ، أهل العلم يقولون: ينبغي أن يكون مكان الحفظ ضيق؛ لئلا ينتشر البصر، فيتشتت الذهن فإذا كان المكان ضيق أعان على الحفظ، بينما يقولون للفهم نعم يجلس في مكان فسيح، على كل حال على الإنسان أن يأخذ العلم بالتدريج، وأشرنا إلى أن الناس يتفاوتون، أعرف شخص قرأ شرح بن رجب لما ظهر في شهر واحد، عشرة مجلدات، وأجزم أنه استوعب منه تسعين بالمائة، وشخص آخر قرأه في ستة أشهر، وأعرف عنه أنه ما استوعب منه ولا عشرة بالمائة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهذه نعم ومنح إلهية كغيرها من المنح؛ لكن ليس الشأن أن تمنح هذه النعمة، الشأن أن تستغل هذه النعمة، وتشكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة؛ لأن النعم إذا شكرت زادت، إذا استعملت فيما خلقت له هذا هو شكرها، وإلا بعض الناس يتفاوتون واحد البصر عنده ستة على ستة، وزميله البصر عنده ستة على ستين، والثاني يستفيد من بصره أكثر مما يستفيده الأول، بل قد يتضرر الأول من بصره أكثر مما عند الأعمى، لا شك أن هذه نعم تحتاج إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015