خولف ابن عبد البر في هذه الدعوة؛ لأنه وجد في الواقع من يحمل شيئاً من العلم الشرعي، بل قد يكون من أعلم الناس، وأشدهم استحضاراً للمسائل العلمية؛ لكنه غير عدل، يعني يوجد من يحمل هذا العلم من الفساق ممن يخالف عمله قوله، يعني على ثبوت هذا الحديث كيف نجيب عنه؟ هل هذا خبر بمعنى الخبر الذي لا يختلف، بل لا بد أن يطابق الواقع؟ أو أن هذا وإن كان لفظه لفظ الخبر فالمراد به الأمر؟ فيكون الحديث والخبر حث للثقات العدول على حمل العلم، بحيث لا يترك مجال للفساق بأن يكون لهم موقع بين أهل العلم بدليل ما جاء في بعض طرقه بلام الأمر: ((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ونظير ذلك: ((ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى)) هل في الخبر طرد للصغار أو حث للكبار على أن يتقدموا بحيث لا يتركون مجالاً للصغار أن يلوا الأئمة؟ نعم، يوجد في الواقع من ينتسب إلى العلم من عنده مخالفات شرعية، على أنه يمكن أن يقال: أن العلم الشرعي لا يحمله إلا العدول الثقات، وإنما يحمله بعض من عندهم مخالفات أو فسق لا يسمى علم شرعي؛ لأنه وإن استحضر مسائل علمية في أدلتها، وعرف مظانها، وفهمها على وجهها، إلا أنها في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم إنما هو ما نفع، العلم إنما هو ما ينفع، وما يوصل إلى مرضات الله -جل وعلا-، أما مجرد معرفة المسائل العلمية مع مخالفتها هذا وبال على صاحبها، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا في الحقيقة ليس بعلم، العلم إنما هو ما نفع.
نعود إلى كلام ابن القيم في استشهاد العلماء بالآية، يقول:
الخامس: أن الله وصفهم بكونهم أولي العلم، وهذا يدل على اختصاصهم به، وأنهم أهله وأصحابه، ليس بمستعار لهم، يعني إذا قلنا للطبيب: عالم، وقلنا للمهندس: عالم، وقلنا للمزارع: عالم في فنه، وقلنا للصانع: عالم؛ لكن من يقول الله -جل وعلا- عنه عالم، هذه هي الحقيقة التي حث عليها في كتابه، وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فالله -سبحانه وتعالى- وصفهم بكونهم أولي العلم، وهذه هي الحقيقة الشرعية للعلم.
السادس: أنه -سبحانه وتعالى- استشهد بنفسه، وهو أجل شاهد، ثم بخيار خلقه، وهم ملائكته، والعلماء من عباده، ويكفيهم بهذا فضلاً وشرفاً.