الوسطية هي سمة هذا الدين، وهي سمة أهل السنة والجماعة، فالدين وسط بين الأديان، وأهل السنة والجماعة وسط بين المذاهب، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أبدع في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في الواسطية، حينما شرح طرفي النقيض في كل مسألة من مسائل الاعتقاد، ثم قال: وأهل السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا، وأهل السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا ... إلى آخره.
فالوسط هو أن تتقي الله -جل وعلا-، وتسأله الإعانة والتوفيق والتسديد، وأن تعمل الواجبات وتترك المحرمات، إذا أمرت بشيء فبادر إلى العمل به، وإذا نهيت عن شيء فبادر إلى الانتهاء عنه ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والدين يسر ((ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا)) فالمقصود أن دين الله وسط بين الغالي والجافي، لا شك أن التكاليف تكاليف، وهي إلزامٌ فيه كلفة على النفس، الواجبات فيها كلفة على النفس، ترك المحرمات ورغبات النفوس فيها كلفة على النفس، لا يعني أن الدين وسط وأنه يسر أن نتفلت من الواجبات، ونرتكب المحرمات، والدين يسر، لا يا أخي، الله -جل وعلا- الذي قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [(156) سورة الأعراف] هو شديد العقاب أيضاً، فأنت مأمورٌ منهي، فعليك أن تأتمر بقدر طوقك واستطاعتك {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] لكن أيضاً عليك أن تنتهي، فالجنة حفت بالمكاره؛ لأن بعض الناس يستغل مثل هذه النصوص على التنصل من الدين بالكلية، وهذا المسلك سلكه بعض المبتدعة إلى أن وصلوا إلى حدٍ تزندقوا، خرجوا من الدين بالكلية.
فالدين عبارة عن أوامر ونواهي، والجنة حفت بالمكاره، فأنت استفتي قلبك، إذا عرض عليك أمر فإن كنت من أهل النظر والاستدلال وعندك من الدليل ما يدعوك إلى الأقدام عليه فأقدم، ما يدعوك عن الإحجام عنه فأحجم، إذا لم تكن من أهل النظر ففرضك التقليد، وسؤال أهل العلم، فاسأل من تبرأ الذمة بتقليده، اسأل أهل العلم اسأل أهل الدين، اسأل أهل الورع.