وكأن أمر اللسان خفيف عند من لا يعرف شأنه، ولذا قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: وإنما لمؤاخذون بكلامنا؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) أحياناً يحصل موقف يحتار الإنسان هل يتكلم أو يصمت؟ هل يرجح الكلام أو يرجح الصمت؟ إذا كان الأمر يتجاذبه أمران، أمر يقتضي الكلام وأمر يقتضي السكوت، لو رشح شخص لوظيفة ما ثم جاء يستشيرك والدين النصيحة، هل تنصحه بالإقدام وأن يقبل هذه الوظيفة أو تنصحه بتركها أو تسكت؟ إذا تعارض عندك الأمران بغير مرجح تسكت؛ لأنك عند التعارض لا تستطيع أن تقول ما هو خير؛ لأنه خفي عليك الخير في هذه المسألة فتلجأ إلى السكوت، لكن إذا ترجح عندك أن قبوله لهذه الوظيفة فيه نفع للأمة فتنصحه بقبولها، وإذا كان ترجح عندك أن تركه لهذه الوظيفة وتعيين غيره أفضل للأمة فتنصحه بتركها، والمستشار مؤتمن.
كثيراً ما يبدأ الإنسان بأمر في أوله خير، أو يتظاهر بالخير، يتكلم في زيد من الناس يقول: سمعت فلان يفتي بكذا، يعني فتوى خطأ، أو زلة من عالم، تجده في أول الأمر يتظاهر بمظهر المشفق على هذا الشخص الذي أفتى والحريص على مصلحة الأمة، ثم لا يلبث أن يسترسل، وينال من الشخص بحيث لا يخرج من المسألة كفافاً.
فعلى الإنسان أن يهتم للسانه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) لكن من يستطيع أن يضمن اللسان في الظروف التي نعيشها الآن، وقد ابتلي الناس بالقيل والقال والقنوات ووسائل الإعلام، ولا تكاد تجد إنسان ساكت، هذا نسأل الله العافية أمر يحتاج إلى مزيد عناية.
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) قد يكون الشيء في جملته ليس بخير شر، غيبة مثلاً، والغيبة ذكرك المرء بما يكره، لكن يعارض هذه المفسدة مصلحة كبرى، يعارض هذه المفسدة التي هي الغيبة ذكرك أخاك بما يكره مصلحة أعظم منها.