واختلفوا في حكمها، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة في حق الموسر، ولا تجب عليه، قال النووي في المجموع شرح المهذب: "هذا مذهبنا -يعني الشافعية- وبه قال أكثر العلماء، منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهما- وبلال وابن مسعود البدري -رضي الله تعالى- عن الجميع، وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن المنذر"، يعني هذا قول الجمهور، أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة.
وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي هي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى.
وقال محمد بن الحسن: "هي واجبة على المقيم بالأمصار" يعني دون المسافر، ولو لم يكن حاجاً، لأن الحاج بالنسبة لقول أبي حنيفة يكفيه الهدي، وسيأتي في كلام شيخ الإسلام أن الحاج ليس عليه أضحية، وأما بالنسبة لقول محمد بن الحسن أنه مسافر لا شك أن المشقة لاحقة به، والخلاف فيها قوي فلا تجب على المسافر.
والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً، ويقول ابن قدامة في المغني: "أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة" وذكر من تقدم ذكره في الطرفين، يعني من قال بالوجوب، ومن قال بالاستحباب، إلا أنه ذكر مالكاً فيمن أوجبها، يعني مع أبي حنيفة، وهو خلاف المعروف من مذهبه بل مذهبه أنها سنة.
أما من قال بوجوبها فقد استدل بأدلة، منها: قوله الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وهذا تقدم ذكره، ووجه الاستدلال كما هو واضح في الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
والأمر الثاني: ما رواه البخاري في صحيحه من حديث جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح)).
((من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى)) يعني لو لم تكن واجبة هل يؤمر بإعادتها؟ ((ومن لم يذبح فليذبح)) واللام في: (فليعد) وفي: (فليذبح) هي لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.