على كل حال مما تقدم من أدلة الفريقين، يتضح أن أقوى أدلة القائلين بالوجوب الآية، وحديث جندب بن سفيان والأمر بإعادة الذبح، ((فليذبح مكانها أخرى)) والذبح أيضاً: ((ومن لم يذبح فليذبح)) هذا ظاهر في الوجوب.
وأقوى أدلة المخالفين رد أمر التضحية إلى إرادة المضحي كما في حديث أم سلمة عند مسلم وغيره، ولا شك أن الأدلة تقرب من التكافؤ، وإذا كان الأمر كذلك فالذي ينبغي على المسلم أن يحتاط لدينه، ويخرج من العهدة بيقين إبراءً للذمة وخروجاً من الخلاف، فيضحي إذا كانت الأضحية لا تشق عليه، أو إذا كان يستطيع أن يقترض ثم يجد سداداً لذلك فليقترض.
وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- باب سنة الأضحية، وقال ابن عمر: "هي سنة ومعروف".
الإمام مالك -رحمه الله تعالى- استثنى الحاج بمنى، وقال: "لا تسن له الأضحية؛ لأن ما يذبحه هدي لا أضحية" واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ففي الاختيارات قال: "ولا تضحية بمكة وإنما هو الهدي".
وخالفهم جماهير أهل العلم؛ نظراً لعموم أدلة الأمر بالأضحية في الحاج وغيره، ولبعض النصوص المصرحة بمشروعية الأضحية للحاج بمنى، وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب الأضحية للمسافر والنساء.
ذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها وقد حاضت بسرف، قبل أن تدخل مكة وهي تبكي فقال: ((ما لك، أنفست؟ )) قالت: نعم، قال: ((إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقض ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت))، فلما كنا في منى أُتيت بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه بالبقر". وهذا الحديث في الصحيحين، وعند مسلم بلفظ "أهدى" بدل ضحى.
قال ابن حجر: الظاهر أن التصرف من الرواة، يعني بعضهم يقول أهدى، وبعضهم يقول ضحى؛ لأن الوقت واحد، وقت الأضحية ووقت الهدي واحد، فبعضهم يعبر عنه بالأضحية وبعضهم يعبر عنه بالهدي.