يقول السائل: فضيلة الشيخ، أشهد الله على محبتكم، وكثير من الأسئلة صدرت بهذه الجملة الدعائية، يقول: هل الأفضل الصيام عشرة الأيام من ذي الحجة، أو أنني أصوم بعضها، فقد سمعت من بعض الطلاب أنه لا يجوز صيامها، وأن صيامها بدعة؟
أولاً: ثبت في الصحيح أنه: ((ما من أيام العمل الصالح خير وأحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر)) العمل الصالح، ومن الأعمال الصالحة بل من أفضلها الصيام، فقد جاء في الحديث الصحيح: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) فإذا ضممنا هذا إلى هذا تخرج لنا النتيجة أن الصيام في هذه الأيام من أفضل الأعمال، كونه -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عائشة لم يصوم العشر، أو ما صام العشر، وقد ثبت عنه من حديث بعض أمهات المؤمنين وغيرها أنه صام العشر، أولاً: المثبت مقدم على النافي، الأمر الثاني: أن هذا على حسب علمها، وقد يقول قائل: أنه لا بد أن يمر يوم من أيامها في هذه العشر فتكون على علم واطلاع من حاله -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنها مطلعة على حاله، وبعض الأيام الذي لا يكون عندها لا تطلع عليه، فلعله أفطر لعارض، علماً بأن من يعوقه الصيام، عما هو أفضل منه من الأعمال، يكون الصيام في حقه مفضولاً، وما يسلكه ويفعله هو الفاضل، فمقام النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد قام بأعباء حاجات الأمة من كل وجه، فهو الإمام وهو الخطيب، وهو الداعية وهو الموجه، وهو القاضي، وهو المعلم، كل أعباء الأمة على عاتقه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الصيام يضعفه أو يفعل ذلك لبيان مثل هذا الأمر لمن يقوم مقامه ممن يأتي بعده، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يحتمل، يحتمل الصيام، ويحتمل جميع الأعمال -عليه الصلاة والسلام-، وقد أوتي قوة في العبادة، ومع ذلك يكون تركه للصيام أفضل منه تشريعاً لمن يخلفه في هذا المقام، فمن كان يعوقه الصيام عن الأمور العامة بالنسبة للأمة فلا شك أن فطره أفضل من صيامه، فلو افترضنا أن ولي الأمر مثلاً يلي أعمال المسلمين كلها، فإذا صام لزم من ذلك أن يجلس في بيته ولا يخرج للناس، نقول: لا يصوم.