في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً، فأكثروا من الدعاء؛ فقَمِنٌ أن يستجاب لكم} فإذا وضعت رأسك في الأرض ساجداً بعد أن تقول: سبحان ربي الأعلى، فعليك أن تدعو بما تيسر.
يقول الأندلسي وهو يوصي ابنه:
وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون ابن متَّى
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا
فإذا وضعت رأسك في الأرض فعليك بالدعاء، فإن الله قريب منك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، حتى يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] ما قال: إذا سألك عبادي عني فقل: إني قريب؛ لأن (قل) يقولون: تفصل بين القرب من الله والعبد، ولكن للمباشرة والمفاجأة لقربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ترك (قل) وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186].
قال أحد الصالحين: جلست إلى معروف فسمعته يقول في مجلسه: واغوثاه ألف مرة، واغوثاه، واغوثاه، قلت: ما معنى واغوثاه؟ قال: أستغيث بالله، أما سمعته في القرآن يقول: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] فالإنسان كما يقول الحسن البصري رحمه الله: [[المسلم في الحياة كالغريق.
أي شيء يتمسك به]] الغريق في البحر إن عرضت له خشبة قفز عليها، إن رأى خيطاً ولو لم يكن شيئاً تمسك به، وإن رأى شجرة ولو ضعيفة تمسك بها، فنحن كالغرقى ما علينا إلا أن نتمسك بشيء من ذكر، وصلاة، ودعاء، واستغفار، وعلينا دائماً أن نرفع أكفنا إلى الله عز وجل، والعجيب أن عند الترمذي في السنن عن سلمان رضي الله عنه وأرضاه؛ حين افتخر الناس بآبائهم وأمهاتهم وأجدادهم فقالوا: من أنت؟ قال: أنا ابن الإسلام.
قال الذهبي في ترجمته: سلمان بن الإسلام، أبوه هو الإسلام، ويقول:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم
فيقول سلمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يستحيي من أحدكم إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} لا أكرم من الله عز وجل، ولا يمكن أن يكون هناك أكرم منه تبارك وتعالى فلا يمكن أن ترفع يديك إليه وتعود بخفي حنين، وبالمناسبة هذه الجملة تسمعونها كثيراً، وكثير منكم يعرف المثل: مرَّ بـ حنين صاحب ناقة، فأراد حنين أن يعطيه الحذاء ويأخذ الناقة، فعرض له الحذاء، فمر صاحب الناقة بحذاء واحدة -وكان طماعاً- فقال: حذاء واحدةٌ لا تنفعني، فمر قليلاً فرأى الحذاء الثانية، فبرك ناقته مكانها وأناخها، وأخذ هذه وعاد يأخذ الثانية، فأخذ حنين الناقة وذهب ذاك بخفي حنين، فإذا قالوا: رجع بخفي حنين، فإنهم يعنون أنه لا يعود إلا بشيء زهيد، والله عز وجل لا يعيد العبد إلا بشيء إذا لم يدع بثلاث: إما ببلاء عام أو بقطيعة رحم أو بإثم، وإذا أخلص الدعاء وأكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في دعائه، وإذا ألحَّ وأكثر، ودعا من قلبٍ صادق، لأن بعض الناس يبايع ويشاري في السوق، ويقول: اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا، وقلبه ليس في المغفرة ولا في الرحمة ولا في التوبة، ولكن ورد عن ابن مسعود: [[إن الله لا يقبل الدعاء من قلبٍ غافلٍ لاهٍ ساهٍ]] وبعضهم يرفع الحديث، فالواجب القصد والاتجاه والإخلاص وكثرة الدعاء.
أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وأن يبيض وجوهنا وإياكم بنور الإيمان، وأن يتولانا في من تولى، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.