أما مسائل الحديث فالأولى منها: كراهية التلاحي والشجار ولو أنه في أمرٍ بمعروف أو نهي عن منكر، ولذلك خرج صلى الله عليه وسلم على الصحابة وهم في المسجد مجتمعون ينتظرونه صلى الله عليه وسلم؛ فأراد أن يخبرهم بليلة القدر ويخبرهم بأن وقتها ليلة كذا، حتى لا يتعبوا ولا تصيبهم مشقة في البحث عن ليلة القدر، فتشاجر رجلان من المسلمين وهم جلوس، وهذان الرجلان هما كعب بن مالك رضي الله عنه، وابن أبي حدرد رضي الله عنه وأرضاه من الأنصار، كان بينهم مسألة خفيفة، فارتفعت أصواتهم، فغضب صلى الله عليه وسلم، فعاد ولم يخبر الناس، ولم يحدثهم تلك الليلة، ثم قال لهم: {إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلانٌ وفلان}.
أخبر بأسمائهم صلى الله عليه وسلم، ولكن الراوي لم يخبرنا بأسمائهم تشريفاً لهم؛ لأنه موطن شجار لا يذكرون فيه، أما لو كان موطن مدح ورفعة وتقدير وفداء وتضحية، لكان أخبرنا بهما رضوان الله عليهم وأرضاهم.
{فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان -أي تشاجر فلان وفلان- فرفعت}.
قال أهل العلم: كان يعرفها صلى الله عليه وسلم فأنسيها من الله عز وجل، وقال بعضهم: إنه يعرفها ولا يزال يعرفها، ولكن رفع الأمر بتعريف الناس بها، والصحيح أنه كان يعرفها صلى الله عليه وسلم ثم أنسيها، ولو كان يعرفها لأخبر بها الناس، فإنه يقول: {فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس} السبع والتسع والخمس التي ذكرها صلى الله عليه وسلم من ليالي رمضان، وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم السبع؛ لأنها الراجح، وعليه كلام أبي بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه، وكلام ابن مسعود وعائشة، ولكن الظاهر من الأدلة أنها تتنقل، وأنها لا تثبت، ولكن أرجحها وأرجح ما تأتي في ليلة السبع.