هناك اقتراح وهو مكتوب في بعض الكتيبات لبعض العلماء الفضلاء في الساحة، هذا الاقتراح جميل وأنا أدعوكم إليه علّ الله أن ينفع به، وما أمامي إلا رجل فاضل أو عابد أو مسئول أو طالب علم، أو مثقف، أو خير، أو وجيه، جعلنا الله وإياكم من الوجهاء عنده، الاقتراح يبدأ بأن يؤسس في كل حارة مجلس، وقد نادى به بعض العلماء وهو موجود في كتيب وقد عمل به في جدة ونجح نجاحاً باهراً، وهو أن يجتمع إمام المسجد والمؤذن وأحد الأشخاص في الحارة، ثلاثة أنفار أو أكثر، هؤلاء يقومون بعمل برنامج للحارة، من ضمنها مجلس في الأسبوع مثلاً، مساء الجمعة أو مساء الخميس، يجتمع فيه أهل الحارة، مثلاً: بين المغرب والعشاء بدون كلفة، يدار عليهم الحديث الطيب، مع البخور والقهوة والشاي، ويتحدثون في شئونهم في الحارة.
يجتمعون فإذا كان هناك مريض زاروه، وإن كان هناك عاطل وظفوه، وإن كان هناك متخلف عن المسجد نبهوه، وإن كان هناك فقير أعطوه، وإن مات ميت شيعوه، فيكون هذا المجلس يعرف أنباءهم وأخبارهم ويكون بينهم تساعد وتعاون حتى يكونوا سوياً.
من ضمن بنود هذا المجلس: أن يحاولوا أن يجلسوا من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء في المسجد للعبادة، وهذا كان يعمل به في هذه المنطقة وفي غيرها، وبعض العباد لا يزال يعمل به في بعض النواحي، إذا صلى المغرب جلس إلى العشاء، لأن الوقت مختصر، إلا من كان عنده ضرورة أو عمل أو أمر أو ارتباط، والوقت ساعة أو ما يقارب الساعة، تتصل فيه بالله وتخلو بنفسك، لأننا أعطينا أوقاتنا للهاتف والسيارة والأطفال والمنتزهات، ثم نصلي هذه الصلاة خمس دقائق وعشر دقائق فلا نستطيع من قسوة قلوبنا أن نلينها بذكر الله.
فإذا صليت -مثلاً- تجلس مع إخوانك في المسجد وتأخذ مصحفاً أو كتاباً، ولا يلزم أن يكون بينهم طلبة علم، وإذا حضروا فأفضل، لكن يقرءون في القرآن أو في كتاب أو يسبِّحون، أو يتجه الإنسان إلى القبلة ويذكر الله، ويهلل مئات التهليلات، وآلاف التسبيحات فتكتبها الملائكة له، وهذا من المغرب إلى العشاء، ومن استطاع مع هذا من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس فهو من أجمل ما يكون!
ويقترح العالم كذلك: أن تكون هناك زيارة للأحبة في الحارة، وأن يكون بينهم تعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يقرروا طالباً أن يقرأ عليهم -مثلاً- في رمضان وفي غيره من رياض الصالحين أو من أي كتاب آخر.
ومن أجمل الاقتراحات ما يكون! ما اقترحه هذا العالم يقول: يكون لهذا المجلس صندوق فيه شيء من المال يدفع لمنكوب، أو متزوج، أو فقير، أو محتاج، أو مشروع في صالح الحارة، ويقترح من ضمن هذا الاقتراح وسوف أجمعه في مذكرة صغيرة: إذا كان هناك مشروع للحارة أن يتساعدوا في مراجعة المسئولين -مثل: مشروع ماء للحي والكهرباء إلخ- {يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار} ولعل أهل القرى أن يفعلوا ذلك ويجربوا هذا الفعل، وإذا فعلنا ذلك سوف نسعد جميعاً؛ لأن العاصي سوف ينفرد، وتارك المسجد والجماعة سوف يستحي، لأن أهل الحارة كلهم مجمعون على مجلس وهو يخالفهم، هم ينصحونه وهو يرفض، إذا فيجتمع المجلس اجتماعاً طارئاً، ويقرر بالإجماع أن يهجروه شهراً، تتزوج ابنته لا نساعده، يتزوج ابنه نقاطعه؛ لأنه قطع المسجد بعد نصيحته وبعد إنذاره، فإذا فعل ورجع فبها ونعمت، وإلا فنقاطعه حتى يرتدع، إنسان عاصٍ رأينا عليه ملاحظة، نكتب له رسالة بأسلوب، ولا نجرح مشاعره أمام الناس.
لأن بعض الناس إذا صلَّى بعد صلاة العصر والجماعة مجتمعون، قال: يا عباد الله! فلان بن فلان فعل وفعل.
ولكن تكتب له رسالة في ظرف من إمام المسجد أو من اللجنة، تنبهه أنه تخلف عن المسجد، وتهدي له شريطاً إسلامياً، أو كتيباً في بيته، ولا تفضحه أمام الناس، بل تدعوه بأسلوب لعل الله عز وجل أن يهديه سواء السبيل.
هذا الاقتراح، علَّه أن يصادف -إن شاء الله- عندكم قبولاً، ولعلكم تفكرون فيه بتمعن، ومن عنده زيادة واقتراح فليفدنا به مكتوباً فإنه مما يستحسن هذا، لعل الله أن ينفع بهذا الاقتراح الإسلام والمسلمين، تقدم في بنود وفي مسائل وفي اقتراحات، مشذبة ومهذبة، لأن رأي الاثنين أحب إلينا من رأي الواحد، فلعل منكم رجل خير ينفعنا باقتراح، ويسمى مجلس الحارة، لنحيي حياة السلف الصالح التي عاشها محمد عليه الصلاة والسلام.
في كثير من الحارات اليوم لا يعرف الجار جاره، حتى ينتقل وينقل عفشه، يسكن عنده في العمارة ثمان سنوات لا يعرفه، ولا سلم عليه، ولا دخل عنده، ولا قدم له خدمة، ولا زاره يوم مرض، ولا نصحه، ولا واساه، ولا آخاه، ولا أعطاه، فأين الجيران في الإسلام؟ بعضهم عمارته ثلاثة أدوار، فيها شقق كثيرة ومسلمين من كل فج عميق، يصلون في المسجد ولكن لا يتعارفون، حتى بعضهم لا يسلم على بعض! هذا خلاف منهج الإسلام، وهذا هو الضياع بعينه، يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم}.