الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
ذكر الشيب عند العرب كثير، وبعضهم يراه وقاراً، وبعضهم يتشاءم منه، والصحيح أنه وقار للمؤمن وشرف له، وفي بعض الأحاديث التي يحسنها بعض العلماء: {من شاب شيبة في الإسلام جعلها الله له نوراً يوم القيامة}.
ونظر إبراهيم عليه السلام إلى المرآة فرأى شيباً فقال: يا رب ما هذه! قال: نور ووقار يا إبراهيم، قال: اللهم زدني وقاراً، يقول المستنجد الخليفة:
عيرتني بالشيب وهو وقار ليتها عيرت بما هو عار
امرأته عيرته بالشيب، تقول: أنت يا شايب، يقول: يا ليتها عيرتي بعيب، لكن هذا الشيب وقار عند الله عز وجل.
وقال أبو العتاهية:
بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
يا ليت الشباب يعود مرة، فأخبره بما فعل المشيب في، ما نومني في الليل وما تركني أرتاح ولا أهدأ.
وهذا أحد الشعراء العرب يقولون: كبر سنه وبلغ الثمانين، وكان يتأوه في الليل ولا ينام من طول السنين ومن الأمراض ومن الأوصاب، فقال له أبناؤه: مالك لا تنام؟ ماذا تشتكي؟ فقال في أبيات له:
قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا
الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، الذي توفي من سنوات رحمه الله رحمة واسعة، خرج في آخر خروج له من المسجد الكبير في الرياض يتعكز على عصا، وفيه كحة وكبر في السن، وكان ولياً من أولياء الله وموحداً صادقاً، فلما خرج أخذ ينزل من الدرج بتعب، وكان يتكئ على بعض الناس فما استطاع، فقال:
إذا الرجال ولدت أولادها وأخذت أسقامها تعتادها
وكثرت من مرض عوادها فهي زروع قد دنا حصادها
ومات بعد يومين.
ومعنى (إذا الرجال ولدت أولادها) إذا ولد لولدك ولد، وأصبحت جداً، فتحر الموت وتحر سكرات الموت.
(وأخذت أسقامها تعتادها) فإذا كثر مراجعة المستشفى، يصبح الإنسان من كل جهة قطع غيار، ينتهي المستشفى من أذنه، فيأتي المرض في العين، ومن العين إلى اليد، ومن اليد إلى الرجل، ومن الرجل إلى الكبد، ومن الكبد إلى الطحال، أصبح كله مثل السيارة المجمعة من كل جهة.
(وكثرت من مرض عوادها) دائماً عواد عليه كل مرة، أحدهم يقول: كيف حالك يا فلان؟ وهذا يتصل بالهاتف، وهذا يطرق الباب، والشباب الآن لا يعودون في الغالب إلا الكبار.
قال:
(فهي زروع قد دنا حصادها) فانتبه فقد سافرت إلى الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام:94] وهذه عبرة للإنسان.
يقول شاعر عربي:
وإن تسألوني بالنساء فإنني عليم بأسرار النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له من ودهن نصيب
فالمرأة تمدح الرجل، وتقول: أنا معك حتى لو تدخل النار أدخل معك، أعوذ بالله من النار، لكن إذا شاب أو ضعف أو قل ماله، فربما تقلب له ظهر المجن، وهذا في الغالب، وإلا ففيهن صالحات، لكن كما يقول الأول:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر
فالشيب عدو لهن، وقد قال ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر: ليحذر الكبير من أن يتزوج البنت الصغيرة.
وقد تجد الرجل في الثمانين يتزوج بنتاً عمرها خمسة عشر، وبعد شهرين يموت، ولهذا نهي عن الخضاب لأن صاحبه يدلس على الناس، يأتي ابن الثمانين يخضب لحيته، فيأتي كأنه شاب، كم عمرك يا فلان؟ فيدلس عليهم، فإذا بهم يزوجونه، وبعد فتره يموت.
على كل حال: هذا يحذر منه، إنما الإنسان يتزوج الإنسان بمن تكافئه في السن.
ولا بأس بزيادة سن معقول عشر سنوات أو نحوها.