دخل متمم بن نويرة على عمر رضي الله عنه، ومتمم شاعر من شعراء العرب، فقال عمر: يا ليتني يا متمم كنت شاعراً، فأرثي أخي زيداً، وزيد أسلم قبل عمر واسمه زيد بن الخطاب، أسلم قبل عمر، وهاجر قبل عمر، واستشهد قبل عمر في اليمامة، وكان عمر كلما ذكر زيداً يقول: [[والله ما هبت الصبا من نجد إلا جاءتني بريح زيد]] والصبا الريح، التي تهب من المشرق وزيد قتل في اليمامة في جهة نجد، فكان عمر يبكي دائماً يقول: يا ليتني كنت شاعراً، فأرثي زيداً.
ومتمم هذا قتل أخوه مالك بن نويرة، قتله خالد بن الوليد، فلما قتله بكى متمم على أخيه حتى ذهبت إحدى عينيه، يقول:
وكنا كندماني جذيمة برهةً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
يقول: ما كأنا عشنا ليلة.
الفراق عند العرب من أعظم ما يكون، وأشد شيء على النفس الفراق، قيل لـ جعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه: لماذا لا تصاحب إخوانك؟ قال: خوف الفراق؛ كأنه يقول: أستوحش إذا فارقتهم، ولذلك أتركهم من أول الطريق، وكان الحسن البصري إذا ودع إخوانه يبكى حتى يخاف عليه.
ويقول:
وخفف وجدي أن فرقة واحد فراق حياة لا فراق ممات
وكان المتنبي يوم فارق سيف الدولة وهو غضبان عليه يقول:
فراق ومن فارقت غير مذمم وأم ومن يممت خير ميمم
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى هوى كاسر كفى وقوسي وأسهمي
يقول متمم في أخيه مالك وكان إذا رأى قبراً بكى:
لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى بالدكادك
كلما مر بقبر بكى لتذكره قبر أخيه، والله المستعان، أخوه قبره كان بعيداً في بادية من بوادي العرب، لكن إذا رأى أي قبر بكى، قال:
فقال أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى بالدكادك
فقلت له إن الشجى يبعث الشجى فدعني فهذا كله قبر مالك