في اليمن الآن شاعر ما زال حياً، وعمره يقارب سبعين سنة، اسمه البردوني من أشعر الناس، وأظن أنه ليس في الأرض أشعر منه في الأحياء، لكن أعمى الله قلبه وبصره، فهو بعثي أعمى، (حشفاً وسوء كيلة) نظم قصيدة في الرسول صلى الله عليه وسلم من أعجب ما سمعت في حياتي، يقول من ضمن أبياتها:
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار
بشرى النبوة طافت كالشذا سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوارِ
نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار
أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار
إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار
هي طويلة ما يقارب ثمانين بيتاً، لكنها بديعة، وقد عارضتها بأبيات ما يقارب أربعين منها أبيات منها قلت في قصيدة:
صوت من الغور أم نور من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار
يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أوطار وأعمار
تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبارِ
فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيد وخمار
يبيع ذمته المعهود في وثنٍ والدين ينهار منه في شفا هار
لو بيع في السوق ما حازوا له ثمناً ولو شروه لكان الغبن للشاري
شادوا الدنانير هالات مزخرفة جماعها لا يساوي ربع دينار
نزار قباني: تسمعون عنه، وأنصحكم ألا تقرءوا له، ومن اضطر منكم أن يقرأ له، فليتعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، ويتوضأ، وهو رجل شاعر، لكن إبليس ركبه، وعليه شيطان، ونسأل الله أن يريحنا منه، وله أبيات جميلة لا ننكر جمالها، يقول:
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
أدمت سياط حزيران ظهورهم فقبلوها وباسوا كف من ضربا
وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا
يقول: هؤلاء العرب ما عندهم إلا حزيران، درسوا القومية العربية، وليس للقوميين إلا نكسات مع جولدا مائير وموشي ديان، أما بدر وحطين وأحد واليرموك وعين جالوت، فهي معارك الإسلام الخالدة، ومعارك لا إله إلا الله، يوم اتصلنا بالله، يوم كنا عباداً لله، لكن هؤلاء لما خرقوا منهج الله وكتاب الله عز وجل، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هزمتهم امرأة عجوز، اسمها جولدا مائير، وطاردتهم من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، كل مرة تضرب في جهة، حتى يقول موشي ديان: من أراد أن ينتصر فليحارب العرب.
قلنا: حاربت عرباً ولم تحارب أناساً يحملون لا إله إلا الله، لو كان خالد وصلاح الدين أحياءً، لما قلت هذا الكلام.
ويقول: نزار قباني في قصيدة له يرثي جمالاً، وهو مجرم يرثي مجرماً، يقول:
زمانك بستان وروضك أخضر وذكراك عصفور من القلب ينفر
نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر
وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر
ثم يقول:
رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر
وانظر إلى جمال الأبيات:
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا
تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ
ثم يقول:
تناديك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيب وخيبر
تعال إلينا فالمروءات أقفرت وموطن آبائي زجاج مكسر
يطاردنا بالموت ألف خليفة ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر