فأتي إليه صلى الله عليه وسلم بامرأة قد زنت، ولا يعني ذلك أن المسلم إذا فعل المعصية فقد خرج من الإسلام كما تقول الخوارج نسأل الله العافية! {أُتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشارب خمر، مرات كثيرة، فيقول أحد الصحابة للشارب هذا: أخزاك الله ما أكثر ما يؤتى بك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك، لا تُعِن الشيطان على أخيك، فإني والله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فانظر إلى الحب كيف بقي مع المعصية، فهو عليه الصلاة والسلام يعرف أنه سوف يحدث هذا الأمر.
وامرأة ورد في السنة ذكرها وورد حدها في القرآن في سورة النور، أتت هذه المرأة من دون أن تستدعى، ودون أن يُخبر بها صلى الله عليه وسلم فإذا هي مقبلة وهي حامل، وانظر إلى الإيمان كيف ارتقى في قلبها، فسألت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطهرها، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كأنه سمع، يريد أن يدرأ الحدود بالشبهة، يقول: {ادرءوا الحدود بالشبهات}؛ يعني: تصامم عليه الصلاة والسلام، فأتته من على يساره فطلبت التطهير، فتصامم عليه الصلاة والسلام، يريد أن يستر الناس، حتى يقول على المنبر: {يا أيها الناس! من ابتلي منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله} فأخذت تقول: يا رسول الله! تريد أن تردني كما رددت ماعزاً، ثم حلفت بالله أنها وقعت في الفاحشة، فقال صلى الله عليه وسلم: {عودي حتى تضعي حملك} علَّها ربما تنكر، أو تسكت، أو تنسى، فعادت والإيمان مرتفع عندها، وتقوى الله عز وجل في قلبها، فلما وضعت أتت بابنها في لفائف وعرضته عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: {عودي حتى ترضعيه} علَّها تنسى، أو تترك، أو لا تطلب إقامة الحد، فعادت حتى فطمته بعد سنتين وبيده كسرة خبز، فأتت به وعرضته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت عليه الصلاة والسلام، وأراد عليه الصلاة والسلام أن يدرأ، ولكنها صمدت وطلبت إقامة الحد والتطهير، ما معنى إقامة الحد؟ ترمى بالحجارة حتى تموت؛ لأنها ثيب، ليس بالسيف، أو بطلقات نارية قد يقتل الإنسان في فترة، لكن تضرب بالحصى حتى تموت، فقال عليه الصلاة والسلام: {من يكفل هذا الصبي وهو معي في الجنة كهاتين} فأخذه رجل من الأنصار، وأرسل صلى الله عليه وسلم الصحابة ليرجموا المرأة، وهم في الطريق صممت، وآمنت بالله، وبموعود الله، وبما عند الله، فنصبوا لها وحفروا لها ثم بدأت الحجارة عليها حتى نضخ دمها على خالد رضي الله عنه وأرضاه، فتكلم عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: {مهلاً يا خالد! لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم} معنى ذلك: بسبعين من العصاة المردة الفجرة ما هو بسبعين من الصحابة، {لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم -وفي لفظ: لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم هذه التوبة} وفي لفظ: {مهلاً يا خالد! فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر الله له}؛ ثم قال صلى الله عليه وسلم: {فوالذي نفسي بيده لقد رأيتها تنغمس في أنهار الجنة} لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] فما جزاء المذنب إلا أن يستغفر ويعود إلى الله عز وجل.
في كلام لأحد العلماء في ظلال هذه الآية يقول: يا سبحان الله! يثقل الدم واللحم عند بعض الناس فيقع في الفاحشة، ثم يتذكر عظمة الله، وموقف الله، والعرض على الله؛ فيتوب إلى الله عز وجل، فيحببه ويقربه مولاه!! أو كما قال.
المقصود: أن هؤلاء النماذج التي عاشت مع الرسول عليه الصلاة والسلام ما منعهم ذلك إلا أن يتوبوا ويستغفروا إلى الله الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.