قال ابن حجر: والصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم شق صدره مرتين.
قال: {ثم غسله بماء زمزم} ولماء زمزم ميزة، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي وغيرهما: {ماء زمزم لما شرب له} قال بعض أهل العلم: إن شربته للمال أغناك الله، وإن شربته للعلم علمك الله، وإن شربته للشفاء شافاك الله، لكن لا بد من النية والإخلاص والصدق في شرب ماء زمزم، أما إن كان يأتي يتعبط ويلعب ويستهزئ، ويقول: أشرب وأجرب هل أغتني وأعود وأنا من التجار الأثرياء، فهذا لا يحصل على شيء لأنه مستهزئ، إنما يحصل على هذا الخير من يشربه صادقاً، قال حجاج بن منهال فيما يرويه عن ابن المبارك: شرب ابن المبارك من ماء زمزم ثم أخذ حفنة وقال: اللهم إن فلاناً حدثني عن فلان عن فلان عن رسولك صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ماء زمزم لما شرب له} اللهم إني أشربه لظمأ ذاك اليوم، فشربه، رضي الله عنه وأرضاه.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ماء زمزم شفاء سقمٍ وطعام طعم} يشفي السقيم بإذن الله، ويشبع الجائع، ولذلك لمَّا دخل أبو ذر مكة ما كان له مضيف، فتستر بأستار الكعبة أربعين يوماً، ما كان يأكل إلا من ماء زمزم، فسمن حتى تكسرت عكن بطنه من السمن، هذا من ماء زمزم، وليس لماءٍ على وجه الأرض ميزة أنه يشبع إلا ماء زمزم.
ولذلك ابن هبيرة -جازاه الله بما صنع- كانوا يأتون له بماء زمزم فلا يشربه ويشرب الماء الآخر، ويقول: هذا ماء الخنافس، فدعا عليه بعض أهل العلم، قال: اللهم إن كان محقاً في كلامه فأنت أعلم به، وإن كان مبطلاً فأسألك أن تعذبه في الدنيا وفي الآخرة، فأخذ وقطعت يده اليمنى وهو أمير، وعوقب في العراق ثم قطعت رجله اليسرى ثم عذب حتى مات.
ولا يمتاز إلا بهذه الميزة فيجوز أن يتوضأ منه ويغتسل منه، ولو كان على الإنسان نجاسة فإنه يتوضأ من ماء زمزم ويغتسل منه خلافاً لقول بعضهم قال علي رضي الله عنه في أول مسنده في مسند أحمد: {أتى صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فشرب من ماء زمزم وتوضأ عليه الصلاة والسلام} وهو من حديث أسامة كذلك، وكان المسلمون يريدون أن يكسبوا عليه الصلاة والسلام بالإهداء له، فورد في السيرة الحلبية أنه كان ينقل له ماء زمزم هدية، فيشربه صلى الله عليه وسلم ولذلك عُظم ماء زمزم في هذا الموضع، فقال: {ثم غسله -أي: صدره- بماء زمزم، ثم جاء بطستٍ من ذهب}.